يطيب لي مشاركتكن/م بأحد أجمل المواضيع التي درسها ولدي هذا العام في مادة فقه صف الأول المتوسط¡ ألا وهو موضوع "المسح على الخفين". وسعادتي بالموضوع ترتبط بهمّ لطالما كان يلاحقني وأنا أتابع إشكالية الممارسات اليومية للشعائر التعبدية التي من الصعب التطرق إليها دون أن يخوض المرء أو المرأة في أمور شخصية وحساسة تحوّل الأمر ألغاماً رغم بساطته. وما أعني بهذه المقدمة هو ما تقدمه هذه الرخصة النبوية من فوائد جمّة على أكثر من صعيدº على الشخصي والبلدي والمدني والبيئي.
ولأوضح الموضوع أولاً لمن ليسوا على معرفة قريبة منه¡ فالمسح على الخفين هو أحد رخص الطهارة الذي شُرع للتخفيف على المسلمين دفعاً للمشقة ورفعاً للحرج¡ التي ورد فيها¡ وفق الإمام أحمد¡ أربعون حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم¡ تغني عن غسل الرجلين في الوضوء. وهي تسمح بالمسح على ما يحول دون الوضوء مثل الجوارب¡ الحذاء¡ العمامة أو الجبيرة. ولعلنا نحتاج القياس على هذه الأشياء للاجتهاد المعاصر.
وآلية الوضوء هي أن يتوضأ المرء أو المرأة وضوءاً كاملاً ومن ثم يرتدي الجورب والحذاء وعندما تحل الصلاة التالية يكفي المسح مرة واحدة على ظاهر الحذاء أو الجورب ليكتمل الوضوء والذي يمكن تكراره لخمس صلوات طالما كان على طهارة. أي أننا لسنا بحاجة إلى "الاستحمام" أو "الاغتسال" الذي يقوم به الكثيرون والكثيرات في دورات مياه المساجد والمدارس والجامعات والوزارات والأسواق وتسيل على إثره المياه فيها وتجري وتفيض وتحولها إلى برك ومستنقعات لا صلة لها بمفهوم النظافة أو الطهارة التي يدعو إليها ديننا الحنيف. وهناك من يضطررن إلى نزع الجوارب المستعملة في دورة المياه وغسل الأرجل ثم تنشيفها بما توفر من مناديل أو لم يتوفر ثم يعدن لارتدائها أو وضعها في حقائبهن ودس أقدامهن الرطبة في الأحذية¡ والروائح شتى.
إن هذا الدرس الذي يبدأ مع الأطفال منذ سن إلزام الصلاة أو الاقتراب من إلزامها وهم في عمر الحادية عشرة يؤسس للسلوك المنظم لعملية الحفاظ على نظافة الإنسان الشخصية وبيئته والقصد في استهلاك المياه والثروات الطبيعية التي أمرنا ديننا ورسولنا بالاقتصاد فيها حتى ولو كنا نتوضأ من على نهر.
ويأخذهم الدرس خطوة خطوة منذ الساعة الرابعة صباحاً حين يستيقظ الأطفال للمدرسة فيتوضؤون لصلاة الفجر ويلبسون جواربهم وبعد ذلك تصبح المسألة أكثر سهولة¡ فيؤدون صلواتهم في المدرسة بكل اطمئنان ويتوضؤون دون إحداث تلوث مائي أو هدر للمياه أو حتى لورق التنشيف. ويستمر الأمر ويتكرر مع الصلوات التالية حتى العودة إلى البيت في نهاية اليوم.
تعتبر هذه الرخصة من أكثر الرخص المتوافقة مع المحافظة على البيئة وثرواتنا المائية من جهة¡ وأكثرها تخفيفاً من صعوبات الوضوء عملياً والتخفف من الملابس والجوارب المستعملة الجارية في الأماكن العامة أو العمل¡ فضلاً عن توفير الوقت المستهلك في الوضوء.
أرى أن هذا الحديث وهذه الرخصة بحاجة إلى أن تُعمم بدءاً من المدارس إلى الأماكن العامة¡ تتعاون في نشر آليتها وزارة التربية والبلدية والإعلام¡ لضمان أوسع نشر لها.
إضغط هنا لقراءة المزيد...