عام 1789 اجتمع 55 من ممثلي الولايات في أميركا, في قاعة الاستقلال بفلادلفيا , وكانت أمامهم مسدساتهم محشوة , واقسموا ألا يخرجوا أحياء إلا بدستور يؤسس الاتحاد الأميركي , وبعد اجتماعات استمرت 115 يوما خرجوا بدستور يؤسس الاتحاد الأميركي , والذي بات يعرف للعالم بالولايات المتحدة ¿
رغم إن المجتمعين آنذاك هم مجموعة من شتات المهاجرين الأوروبيين, ورعاة البقر, لكن جمعتهم حتمية الضرورة, والمصالح المشتركة, واستطاعوا أن يضعوا اللبنة الأولى للإمبراطورية التي هي عليها أميركا اليوم .
بالطبع هم ليس نموذجاً مثالياً للمقارنة ولكن الموقف يأخذنا إلى مشهد لمأزق تاريخي قد يمر بشعب من الشعوب, يجد نفسه أمام منعطفات مصيرية كبرى تحتم عليه التسريع في عدد من الخطوات الإجرائية, دعما وتحصينا وحماية للوطن داخليا وخارجيا .
ست دول تمتلك أربعين في المائة من احتياطي النفط في العالم , 50 مليون نسمة هو العدد التقريبي لسكان دول مجلس التعاون , وهم بدورهم يمتلكون ثروات هائلة , يقدرها البعض ب(1,6)تريليون دولار , مع أرصدة استثمارية منتشرة في جميع بقاع الأرض , تؤهلها للنهوض بدور قيادي في المنطقة , لكن يظل الهاجس الأمني , متصدرا أجندة التعاون دوما.
ولعل الاجتماع الأول لهيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية بدول مجلس التعاون الخليجي, الذي تم الأسبوع الماضي في الرياض , والذي انتهى ببشارة لطالما ترقبتها شعوب المنطقة عن الشروع في بلورة صيغة نهائية للاتحاد , طمأنت الكثير من القلق الشعبي , لاسيما حول الهاجس الأمني.
فبحسب ما صرحت قناة العربية, إن دول مجلس التعاون الخليجي تريد أن توصل رسالة قوية وواضحة من خلال إنشاء هيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية, بأنها ستنتقل من مرحلة التعاون إلى الربط الخليجي الاتحادي التكاملي.
ودول مجلس التعاون الخليجي تبدو مشروعا مثاليا للاتحاد, فهي منذ إعلان وحدتها واستقلالها, تقف متجاورة على نفس المجال الجغرافي والعمق التاريخي والمنظومة الاقتصادية, بل نفس (الكود) الاجتماعي الذي تتداخل فيه شعوبها.
لذا يبدو أنه حل أوان الحزم والتحرك السريع, المتجاوز لسياسة التأجيل والتسويف داخل مجلس بعد ما يقارب من الأربعة عقود من تأسيسه, لم يتقدم بالشكل الذي يحقق المأمول منه, حتى ولو على مستوى توحيد العملة !!
بينما تقبع هذه الثروات والفرص وسط محيط إقليمي مضطرب ومشوش وعلى خليج تطل على ضفته الأخرى دولة ثيوقراطية , ذات أجندة طائفية توسعية, وطموحات نووية, مابرح قادتها يتشدقون بأسماء العواصم العربية التي تقع تحت هيمنتهم بشكل وقح ومستفز.
ومن هنا تظهر حتمية الاتحاد الخليجي ككيان موحد بقوة اقتصادية وبشرية وعسكرية متقدمة, وإن كان الأمن مطلبا يتصدر جميع المطالب, سواء كان الأمن الاستراتيجي, أو الاقتصادي, أو الغذائي, أو حتى الثقافي .
في المرحلة الراهنة لابد من تجاوز اختلاف المواقف والسياسات حول بعض الأمور الإقليمية, والاتجاه بزخم وقوة نحو مرحلة الاتحاد الكامل , تلبية لرغبة شعوب المنطقة, التي باتت تجد في الاتحاد الخليجي مركب نجاة وسط محيط مهدد ومتلاطم وخطر.
اتحاد قادر على الإبحار بالتعاون الخليجي من ضفاف رومانسية الحلم, إلى موانئ الاتحاد الخليجي التكاملي الذي تفرضه برجماتية الواقع.
إضغط هنا لقراءة المزيد...