تستحكم في صناعة الاغنية في كل جيل ثقافي الملامح الأساسية في إعادة استعمال عناصر التراث الثقافي أي ما يتوفر من عناصر ومواد أولية على مستوى القول والأداء والحركة (النصوص والأنغام والإيقاعات) ويحاول كل جيل ثقافي انتخاب نماذج من ذلك التراث الثقافي أغلب الأحيان تعتمد على الذائقة والإحساس والموهبة لتكون راية إما يتبعها وإما ينقضها.
وما يلفت في الأغنية الخليجية خلال العقدين الأولين من القرن الواحد والعشرين فاعلية التطور التقني وخياراته الصوتية المتعددة ما يتجاوز الآلات الموسيقية المخزنة والمؤثرات الصوتية المختلفة وهو ما جعل الخيارات في استعمال السلالم النغمية والمساحات الصوتية والموازين الإيقاعية تنحصر في تعدد الدرجة لا النوع .
ولكل خيار حيويته ورتابته مقصودة بالسبب أو النتيجة .
وعند النظر في منتج «الأغنية الخليجية» التي بدت تتعزز في هذين العقدين بفعل مجموعة من الملحنين والشعراء والموزعين في السعودية والكويت مع حناجر نسائية خليجية مثل نوال وعربية مثل ذكرى وأنغام وأصالة وأسماء لمنور فهي تحول المادة الصوتية في رنينها المتعدد بالمنطوق والمعزوف والمؤدّى إلى حالة توازنية بين رغبات ذاتية عاثرة وبين متطلبات اجتماعية واقتصادية وسياسية ضاغطة تدفع إلى التعبير عنها في العناصر المتاحة على محدوديتها في تفاعيلها وأشكالها الشعرية (ثنائية وتناظرية) وموازينها الإيقاعية (ثنائية ورباعية) بين بيئات تداخلت قسرا لتعبر عن فئات وطبقات اجتماعية مشدودة إلى جذورها أو مصادرها مهما بدت مرتبطة في صورة مشاركة تجبرها لحظة الخلق الفني العابرة .
تلك المساحة ما بين النسيان والذاكرة يولد فيها الخيال ذاتها المساحة بين التمييز والافتقاد تولد فيها المشاركة أيضاً ..
تتعادل المجازات الصوتية بين حناجر تتنقل في اللهجات وأسماء تتخفى في الاستعارات. لا تعود تلك الانتماءات التاريخية المتجمدة والجغرافية السائلة إلا حالة رخوة أكثر من مرونتها وأقل من حدتها. إنها حالة من الالتباس بين الصوت وهويته التي تبدو تقمصا مدهشا في التمثيل والتصوير لكنها لحظة تعبير عن استعمال عناصر تتكرر في التباسها أبعد من استعادتها وأدنى من نسيانها ..
وهذا ما تمظهر في تجربة أصالة¡ الغنائية الخليجية¡ ويمكن أن يقال نفس الكلام عن تجربتها الغنائية المصرية¡ التي انطلقت منذ أدائها لأغنية «اسمع صدى صوتك» (1991) من كلمات سمو الأمير محمد بن راشد المكتوم ولحن عيد الفرج على أنها درجت في إصدار مجموعات غنائية مصرية منذ «لو تعرفوا» (1993)¡ مع ملحنين كبار مثل سيد مكاوي ومحمد الموجي ومحمد سلطان وحلمي بكر¡ لتعيد ترتيب أوراق جيل عربي جديد في مصر بدا يبرز في العقد الأخير من القرن العشرين.
وألحقتها بمجموعة غنائية خليجية «توأم الروم» (1994) ألحان سامي إحسان إلا أن انتقالها إلى التعاون مع جيلها المصري بداية مع محمد ضياء وأمير عبد المجيد ووليد فايد وزياد الطويل وصلاح الشرنوبي عزز من وجودها في المشهد الغنائي العربي في مجموعات عدة «اغضب» (1994)¡ و»ارجع لها» (1996)¡ «قلبي بيرتاحلك» (1998)¡ و»يا مجنون» (1999)¡ قاطعتها مجموعتين خليجيتين «المشتكى» (1997) و»رحل» (1997).
فقد تمكنت أصالة من جعل الأغنية الخليجية حاضرة في مجموعاتها المصرية حتى وإن تثنى العمل بين نص خليجي ولحن مصري منذ مجموعة «قلبي بيرتاحلك» (1998) ثم»يمين الله» (2000)¡ و»قد الحروف» (2003) وهذا لم يمنع من توالي المجموعات الغنائية الخليجية «يا خي إسأل» (2002)¡ و»أوقات» (2004) إلا أن المنعطف بدا مع «سواها قلبي» (2007) و»قانون كيفك» (2010) حين ظهر الملحن سهم الذي يمثل جيلاً ثقافياً هو نموذج مقدمة المقالة¡ وعلى أنها تتجه في مجموعتها الجديدة «أعلق الدنيا» (2016) إلى الملحن عزوف الذي انطلقت معه بأغنية منفردة «عقوبة» (2015) فهي تكرس من هذا المنعطف الذي يعبر عن أصالة نفسها خليجياً..




إضغط هنا لقراءة المزيد...