لن أجد من لا يتفق معي على أن التمشي في شوارع مدننا الكبرى أصبح ضربا من ضروب المستحيل.
الفصل معتدل¡ وربما اعتدل المزاج لو أُتيحت للناس فرصة الانتقال في المشاوير القريبة مشيا على الأقدام للتسوق¡ للمساجد¡ لزيارات أهل الجوار والحارة كما كنا في الماضي نعمل.
المناخ الجيد في الرياض مثلا يمتد لثلاثة أو أربعة شهور¡ ومن المؤسف أننا لا نستغلها بالحراك¡ والسبب معروف¡ ألا وهو انعدام مناسيب البناء مع الشارع¡ نتج عن ذلك استحالة وجود أرصفة ترتاح لها الأرجل والأعين عن الخروج بالأمسيات.
وقيل إن العاصمة الرياض سبقت غيرها في عدم إيلاء هذا الموضوع ما يستحق أسوة بمدن العالم القديم والجديد. ويذهب الناس إلى دول الجوار العربي¡ والبعيد الأوروبي والأميركي¡ لأنهم يستطيعون التفسّح¡ وجعل يومهم مليئا بالحراك واللقاءات مع المعارف والأصحاب أثناء التسوّق أو الذهاب إلى دور العبادة.
"فيضة السوق" عبارة اتخذها الآباء ميقاتا. وعادة تكون بين صلاة العصر وأذان المغرب. وإذا قالوا: فلان ما فاض اليوم¡ فهذا قد يُثير شكا بأن مكروها أصابه. هذا كله من انجذابهم إلى أخذ ساعة أو أكثر من يومهم لدخول السوق حتى لو لم يكن ثمة داعيا مُلحّا.
الرياض حتى الستينيات من القرن الميلادي الماضي كانت هي شارع الوزير فقط (الآن شارع الملك فيصل) وما كان لازدحامه بالمارة في الأمسيات من سبب إلا لأن أرصفته كانت مُصممة لالتقاء البشر¡ وليس الماعز كما هي الحال الآن في نسبة كبيرة من شوارع عاصمة المملكة.
وبالرغم مما يواجهه سكان حواضر الغرب من أمطار وأهوية بل وعواصف¡ إلا أنهم لم يتخلوا عن مدنهم وأرصفتها ويهملونها بالشكل الذي عملناه نحن في بلادنا. فهم يحبون الخروج والسير على الأقدام في شوارع جرى إعدادها لإرضاء تلك الرغبة وهذا الشغف اللامحدود ببيئة الطريق. فالأم تدفع عربة الطفل بكل أمان واطمئنان¡ وكذا المُسنّ يرافقهُ عُكّازه¡ وكأنه يمشي في أسوار منزله¡ أو على سجادة جاءت بها البلدية ومُخططوها لراحة ذلك المسنّ.
نعم نحن بَعيدون عن بيئة إنسانية كهذه¡ مع أن عاصمتنا حديثة الانطلاق¡ وما ذلك إلا بسبب إهمال مُخططينا الذين لن يغفر أخطاءهم جيل قادم¡ ولن يسامحهم من رأى أمانيه تذوب على أرصفة مثيرة للتعب.
إضغط هنا لقراءة المزيد...