من تعرفهم وتخشى أن تخسرهم لا تحاول على الإطلاق استقراء طيات دواخلهم.. ولا تحاول أن تعرف ماذا يقولون خلفك عنك.. ويختلف تماماً عما يقولونه أمامك.. لا تحاول أن تغوص في تفاصيل ما يجري في داخل الآخر القريب أو البعيد لأن ذلك سيحولك إلى شخص يعيش تحت غمامة من الهموم والشكوك والخوف والتفكير المشوش مما قد يقوله الآخرون عنك أو يحملونه لك!
أحياناً كثيرة تهتم بالآخر ولكن لا تعتني بصفحة داخله وما كُتب عليها لك أو ما كتبه هو عنك.. ولكن قد تأتي لحظة فارقة تشعر أنك تريد أن تعرف كيف يفكر فيك هذا الآخر وحجم ما يحمله لك من مشاعر إنسانية سواء كانت حبا أو كرها أو لا شيء.. تريد أن تعرف لتبني عليها أشياء كثيرة¿
تريد أن تعرف كيف هو من الداخل¿ تريد أن تستطلع داخله وهو الأصعب عادة لأننا نصدّر للآخر ملامحنا الخارجية وسلوكنا وطباعنا وتصرفاتنا وهو أيضاً يصدّر لنا نفس الصورة.. نتبادل معاً صورة واحدة تكاد تكون متشابهة والفرق الوحيد بين الصورتين أنّ كل واحد منّا يصدر صورته هوº طريقته في التعامل¡ كينونته كإنسان¡ حقيقي أو مصنوع أو يحاول أن يصنّع الصورة التي يصدّرها للآخرين ويجملها لهم وهي ليست صورته كما يقال.. وأنه ليس كذلك..!
في الغالب كل البشر ليسوا هم¡ والصور ليست صورهم¡ لأنهم يتعاملون مع الآخرين كما يريد الآخرون ويصدّرون صورا للآخر هو يطلبها وليست صورتهم الحقيقية.. لأننا نعترض دائماً وبقوة كمجتمعات وأفراد على ذلك الشخص الذي يتعامل بطريقة تختلف عما اتفق عليه المجتمع أو من حوله.. نغضب من أسلوبه في التعامل الذي نرى أنه يتعارض مع القيم والأخلاقيات والسلوك الطبيعي وننسى أن هذا الشخص قد يكون من القلة القليلة الحقيقيين الذي عليك أن تصدّقه لأنه يتعامل بطبيعته التي قد يرفضها المجتمع ولكن لم يكذب أو ينافق أو يمثّل رغم أن المجتمع يسعده من يمثّل عليه ويتعامل معه حتى وإن شعر أحياناً أنه كاذب وغير حقيقي ومزيف¡ ولكن يظل يتعامل معه لأنه يعطيه الصورة التي يريدها.. ولذلك عندما تقول لأحدهم إن هذا الشخص مزيف ومنافق يقول لك: أنا لي الصورة التي يعرضها لي وهي ما أحتاجها فقط غير ذلك لا يعنيني وقد يكون هو كذلك.. لكن أنا أكتفي بما أراه وما أشعر به..!
يقول مصطفى محمود: "لو دخل كل منا قلب الآخر لأشفق عليه ولرأى عدل الموازين الباطنية¡ برغم اختلال الموازين الظاهرية¡ ولما شعر بحسد ولا بحقد ولا بزهو ولا بغرور".. لخص مصطفى محمود دواخل كل منا وما نحمله من ضغوط يومية وهموم وانكسارات وهزائم وبحث عن الذات ينعكس علينا¡ ومع ذلك نظل نحارب ونقاتل من أجل تغطية هذا الداخل ومن أجل الاحتفاظ به بعيداً عن أنظار الآخرين أو تلصصهم عليه.. نحن لا نختلف عن بعضنا ففي الدواخل البعيدة ثمة ما يستحيل أن يظهر حتى لأقرب المقربين وقمة ما ينفجر في لحظات ولكن تعاود السيطرة عليه.. نحن دواخلنا ولسنا الصورة التي نصدّرها للآخرين فقد تكون هذه هي القشرة وليست ما نحن عليه.. ومع ذلك نحن نتشابه داخلياً ولكن خارجياً كل منّا يصدّر للآخرين صورة حسب وعيه وثقافته وبيئته والظروف التي يعيش داخلها..!!




إضغط هنا لقراءة المزيد...