حسب إحصائية لعام 2015م¡ فإن عدد منشورات الفيزياء والفلك والرياضيات التي أودعت في أرشيف كورنيل ArXiv (قبل نشرها في مجلات محكمة) وصلت إلى نحو 84 ألف بحث. أي بمعدل 230 بحثا "في اليوم"¡ هي ثمرة جهود أشهر طويلة من العمل الشاق!
هذه الأرقام تعطي انطباعا جزئيا عن حجم النشر في تخصصات العلوم الطبيعية. والعبرة من هذه المعلومات هي أن العلوم والرياضيات في تقدم مستمر وأن من يطرح تلك الأبحاث هم باحثون من كل أنحاء العالم¡ ولكنهم يطرحون تلك الأبحاث باللغة الإنجليزية لأنها هي لغة التواصل العلمي بينهم.
هذا التواصل يعد شرطا لتقدم العلوم. فالباحث الذي ينشر بلغة غير الإنجليزية يعزل نفسه عن ذلك المجتمع العالمي. وهي حقيقة يستوعبها الباحث الياباني والروسي والبرازيلي والعربي. ولكن وبكل أسف قد لا يستوعبها من يصرون على الرأي الذي يقول إنه لا ينبغي أن ندرس العلوم إلا باللغة العربية¡ وخصوصا في الجامعات¡ بحجة الفراغ الهائل في المحتوى العربي.
ولا يصح أن نلوم الباحثين في الجامعات ونحملهم مسؤولية ترجمة كل تلك الأبحاث بمعدل يومي. فالباحث قد يترجم عشرات المقالات وعددا من الكتب في مسيرة حياته كلها. ولن يتمكن جميع الباحثين العرب من ترجمة كل الموجود حتى لو تفرغوا للترجمة. وإذا فعلوا ذلك فستذهب الملايين التي صرفتها الجامعات على ابتعاثهم وتدريبهم في الخارج ليصبحوا باحثين علميين هباء منثورا!
في المقابل¡ لا يصح أن يكون خريج تخصصات العلوم الطبيعية غير مؤهل لمتابعة التطورات العلمية - ولو بأخذ تصور عام - والاستفادة من المراجع الكثيرة المكتوبة بالإنجليزية¡ وإلا لأصبح مغيبا عن مجريات الأمور¡ ولحصر اختياراته فيما تقدمه له الترجمات القليلة والعشوائية. وهذا هو الحاصل بشكل عام حاليا.
لذلك فإن تدريس مواد العلوم الطبيعية بالإنجليزية هو مطلب ضروري لتأهيل أجيال من المتخصصين القادرين على مواكبة التقدم العلمي¡ ويمهد الطريق لمن أراد منهم أن يسهم في البحث العلمي¡ أو في الكتابة والنشر في تخصصه¡ أو التواصل مع المهتمين بالعلوم في مختلف أنحاء العالم. ولكن¡ وبكل أسف¡ ما تزال بعض جامعاتنا تتبنى هذا الأمر على خجل¡ وذلك بتدريس عدد قليل من المواد بالإنجليزية.
عموما¡ لأننا مجتمع عربي¡ فإنه من المناسب إدراج مقرر أو اثنين إجباريين حول ترجمة مصطلحات ومفاهيم العلوم إلى اللغة العربية. ومقرر للذين سيذهبون إلى المدارس العامة حول: تدريس العلوم باللغة العربية بالتعاون مع أقسام التربية والمناهج وطرق التدريس.
وفي النهاية سيصب كل ذلك في مصلحة المجتمع ويساعده على النمو والتقدم الذي يطمح إليه أبناء وبنات الوطن¡ ولن يقلل من شأن اللغة العربية أبدا. بل أجزم أنه سيسهم في إثراء المحتوى العربي في العلوم لأن تعليمها بالإنجليزية سيؤدي كما أشرت إلى زيادة عدد المؤهلين في قراءة واستيعاب المنشورات والكتب والأخبار العلمية¡ وهؤلاء هم الأقدر على سد الفجوة بين العلوم والمجتمع.




إضغط هنا لقراءة المزيد...