على ماذا سترسو السياسة الأميركية في الخليج في عهد الرئيس الأميركي القادم دونالد ترامب¿
بداية¡ يُمكن الإشارة إلى أن هذه السياسة لم تشهد إعادة تعريف إستراتيجي منذ حرب الخليج الثانية عام 1991.
وعلى الرغم من كل الأبعاد الإقليمية للحرب الأميركية في العراق عام 2003¡ إلا أن هذه الحرب ونتائجها لم تدفعا باتجاه تغيير ركائز سياسة الولايات المتحدة في الخليج¡ القائمة على فكرة "الموازن الخارجي"¡ أي الدور المباشر.
لقد ولدت فلسفة الدور المباشر¡ على الصعيد الإقليمي الخليجي¡ مع مبدأ كارتر مطلع العام 1980. بيد أن فكرة الموازن الخارجي¡ بالمعنى النظامي للمصطلح¡ ولدت بعد حرب الخليج الثانية. وكانت (كما مبدأ كارتر نفسه) إحدى الخلاصات الكبرى لتجربة فيتنام.
أما حرب الخليج الثانية ذاتها فكانت تطبيقاً لمبدأ الاحتواء¡ وترجمة متقدمة له. وهي لم تهدف لتطويق القوة العراقية وحسب¡ بل كل مصادر التهديد الفعلية أو الافتراضية التي تواجه الأمن القومي الأميركي.
والخلاصة أن هناك مبدأ احتواء¡ يستند للقوة الأميركية المباشرة¡ وهذه هي السياسة الأميركية في الخليج العربي.
هذه السياسة¡ لم تكن¡ من حيث الجوهر¡ موضع خلاف بين الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ أواخر فترة الرئيس جيمي كارتر.
الفرق قد حدث في تقديرات البنتاغون لمستوى القوة¡ ونوعية القدرات والوسائل¡ والبنى التحتية ذات العلاقة. ولذا شهد تاريخ الحضور الأميركي في الخليج ما يشبه الرسم البياني المتعرج.
وإذا استثنينا حرب العراق عام 2003¡ والوجود الأميركي في الداخل العراقي¡ فإن البناء الأساسي لهذا الوجود قد حدث في سنوات الرئيس رونالد ريغان¡ على الصعيدين التسليحي والتنظيمي¡ بما في ذلك تشكيل القيادة الوسطى (السنتكوم).
بعد ذلك¡ جرى تطوير هذا الوجود¡ ومنحه مضامين وأبعادا إدارية وقانونية إضافية¡ على وقع حرب الخليج الثانية.
في عهد الرئيس بيل كلينتون¡ تم تبني سياسية الاحتواء المزدوج¡ وكانت في جوهرها سياسة اختبارية أو تجريبية¡ وهي لم تغيّر أصل أو فلسفة السياسة الأميركية في الخليج¡ وقد انتهت كمفهوم بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003.
سنوات الرئيس جورج بوش الابن¡ شهدت محاولات عدة لإعطاء مضامين سياسية جديدة للقوة الأميركية في الخليج (بما في ذلك القوة الأميركية في العراق)¡ وكان جوهر الأمر يتمثل في القول بأن القوة الأميركية لا ينبغي أن ينظر إليها كقوة ردع وحسب¡ بل عامل مشجع على بلورة سياسات ذات طابع إقليمي¡ ليس على مستوى الخليج وحسب¡ بل الشرق الأوسط عامة.
وفي هذا السياق جرى إطلاق إطار حوار تعددي بين الولايات ودول مجلس التعاون الخليجي والعراق ومصر والأردن¡ عرف بمجموعة "مجلس التعاون الخليجي +3"¡.
سنوات الرئيس باراك أوباما شهدت الانسحاب من العراق¡ وهذا هو التطوّر الأهم بمعيار التاريخ. كذلك¡ شهدت سنوات أوباما زيادة الانخراط الأميركي في أمن الملاحة الإقليمية.
وفي السياق ذاته¡ جرى إطلاق حملة القصف الجوي على تنظيم "داعش" بإدارة القيادة الوسطى (السنتكوم).
وسوف يغادر أوباما البيت الأبيض¡ وهناك ملفات لم تحسم بعد¡ على مستوى أمن الخليج¡ من بينها مشروع تقليص القوات (أو إعادة انتشارها)¡ وحجم الوجود في العراق¡ وتسليح القوات العراقية¡ وتنسيق الحرب على قوى التطرف الظلامي العابر للدول.
من ناحيته¡ سيكون ترامب معنياً بتحديد ما إذا كان بصدد اعتماد استمرارية أم انقطاع مع السياسة الأميركية الراهنة في المنطقة¡ المستمدة أصولها من مبدأ كارتر.
هذه قضية يصعب حسمها في بضع سنين. وفيها تتداخل حسابات السياسة والأمن على نحو وثيق. وعلى الرغم من ذلك¡ فإن تحوّلاً¡ أو تغييراً ما¡ يُمكن أن يجد طريقه على مستوى التوزيع النسبي (أو الثقل النسبي) لعناصر ومكونات السياسة الأميركية في الخليج¡ بما في ذلك العراق.
هذه مسألة يُمكن توقعها¡ وهي ستخضع بداية لتقديرات "السنتكوم"¡ ومن ثم دوائر صناعة السياسة الخارجية.
في الوقت ذاته¡ من الصعب توّقع إعادة تعريف إستراتيجي لهذه السياسية¡ فذلك يحدث فقط ارتكازاً لتطورات كبرى¡ أو لتحوّل تاريخي في مدركات السياسية الخارجية الأميركية¡ واستتباعاً الأمن القومي الأميركي.
وحيث إن الأمن الإقليمي تصعب مقاربته دون أسس سياسية¡ فإن الرئيس ترامب¡ يُمكن أن يستفيد من تجربة الإطار الحواري¡ "مجلس التعاون الخليجي +3".
وعلى ضوء الظروف الراهنة¡ فإن مزيداً من الحوار والتنسيق الخليجي العراقي¡ على نحو خاص¡ يجب أن يكون في صلب اهتمامات إدارة الرئيس ترامب¡ إذ من دون ذلك سيكون من الصعب السيطرة على أي تهديد.. وإذا استطاعت إدارة ترامب التشجيع على تشكيل إطار ذي آليات فاعلة فستكون قد خطت خطوة جوهرية على صعيد خيارات الأمن في الخليج.




إضغط هنا لقراءة المزيد...