تمثل الدولة المدنية الحديثة صيغة جديدة وطارئة على الشكل التقليدي لأنظمة الحكم في العالم العربي والشرق عموما.
الوعي العربي مع بواكير تجارب دولة محمد علي في مصر¡ أصبح في حالة مواجهة مع مفاهيم وصيغ سياسية¡ تتجاوز دولة الرعية أو العلاقات القبلية¡ باتجاه دولة المواطنة والقانون والمؤسسات.
ولكن ظلت عملية التحول بطيئة للغاية¡ ويرافقها الكثير من العثرات والإجهاضات والعودة للمربع الأول¡ نظرا لشدة مقاومة البنى التقليدية وتجذرها في المنطقة منذ مطالع التاريخ.
وإرادة التحديث والتغيير تمثل (جرحا نرجسيا) لشعوب ماضوية كما يصف هذا الفيلسوف داريوش شايغان.
ومنذ بدايات دولة محمد علي إلى الآن حاولت الكثير من الأيدلوجيات والصيغ أن تختطف عملية النهضة والتحديث¡ تحت أجنحتها¡ وهو الأمر الذي حاولته الأيدلوجية القومية تحت شعار أمة عربية واحدة¡ ذات رسالة خالدة¡ لكن تلك الشعارات جيرها العسكر لحسابهم فأصبحت امتدادا لحكم المماليك.
لاحقا لوح أصحاب أجندة الإسلام المسيس بشعارات الإسلام هو الحل¡ كي يستطيعوا اختلاس وجدانيات الشعوب وعواطفهم الدينية¡ ويقولبونها داخل أجندتهم السياسية¡ دون أن يمتلكوا على أرض الواقع مشروعا حقيقيا واضحا.. عدا شهوة المُلك.
ويبدو أن كمية الهشام والركام التي تلت الربيع العربي¡ كشفت عوار تلك التجارب والصيغ التي عجزت عن خلق الدولة المدنية التي تدخل العصر الحديث.
ولم يبقَ إلا طوق نجاة يتمثل في البدء باتحادات صغيرة قابلة للحياة والاستدامة والتوسع.
لهذا السبب انضوت شعوب الخليج تحت مظلة إرادة جمعية عارمة تطالب¡ بأن يكون الاتحاد الخليجي هو الحل¡ لعدة أسباب جوهرية منها:
دول مجلس التعاون الخليجي تبدو مشروعا مثاليا للاتحاد¡ فهي منذ إعلان وحدتها واستقلالها¡ تقف متجاورة على نفس المجال الجغرافي والعمق التاريخي والمنظومة الاقتصادية¡ بل نفس (الكود) الاجتماعي الذي تتداخل فيه شعوبها.
بينما يغرق العالم العربي في الفوضى¡ والأزمات الاقتصادية الطاحنة¡ يبدو الخليج واحة مستقرة أمنيا واقتصاديا¡ وفي طريقه لتبني العديد من الإصلاحات على المستوى السياسي والإداري.
تميز المنطقة بموقع استراتيجي مهم¡ وثروات طبيعية هائلة¡ وشعوب يمثل الشباب غالبية كبرى فيها¡ مما يؤهلها لصناعة قفزة حضارية نوعية على مستوى المنطقة¡ الأمر الذي يتطلب اتحادا يمثل مظلة أمنية تحمي جميع هذه المكتسبات.
درع الاتحاد الخليجي يمثل توازنا إقليميا وصمام أمان للمنطقة¡ وصيغة سياسية ثابتة متماسكة أمام الخرائط التي تسربها الدوائر المخابراتية الدولية للمنطقة¡ أو المزايدات التوسعية التي يلوح بها نظام الملالي في إيران.
وأعتقد أنه إلى الآن لم تتوفر لحظة تاريخية عارمة¡ توازي وتشبه المرحلة الحالية¡ تصيح بها شعوب الخليج بحنجرة مشتركة: الاتحاد هو الحل.
إضغط هنا لقراءة المزيد...