نرتشف نخب الأكاذيب الديمقراطية حتى الثمالة فيخيل لنا أن الغرب لا يأتيه الباطل لا من بحر الشمال ولا من المحيطº ومادام أن حالها كذلك فهي منزهة عن الزلل..
الصلف السياسي الغربي الذي صنعته قوة ضاربة من التدليس¡ ذات قدرة فائقة على تزييف الوقائع¡ وقلب الحقائق¡ مدعومة بآلة مسجورة بالكراهية¡ لا يمكن توصيفه بحال على أنه وجه الديمقراطية الطوباوي الذي يبشرون به¡ وبروض ربيعه المزهر.
الديمقراطية التي سخر لها الغرب كل إمكاناته المادية والفكرية لتقديمها للعالم أسلوبا للحكم وحيدا لا يقبل بغيره¡ ولا تصان حقوق الإنسان¡ ويحارب الفساد¡ وتتحقق العدالة بدونه¡ تشهد اليوم أفولا مزريا¡ مثقلة بأعباء الذنوب¡ تجر أذيال العار وهي تترنح في بحر لجي من دماء الأفغان¡ والعراقيين¡ والسوريين¡ والليبيين¡ والأوكرانيين. صحيح أنها كانت أيقونة القرن العشرين¡ باعتبارها وسيلة لتحقيق الحكم الرشيد¡ وعندما تحولت إلى معتقد وغاية في حد ذاتها¡ تضخمت فيها الأنا¡ وتحولت من حكم الشعوب وامتلاك قرارها¡ إلى بيع إرادتهم لجماعات الضغط والمصالح.
الديمقراطية التي اتكأت على إرادة الجماهير وتعبيرهم عن وجهات نظرهم¡ تغولت فلم تعد تقبل من الرأي المخالف سوى ما يناسب مصالح الحاكمين بأمرها¡ ولذلك استأسد المتطرفون وعادت المجتمعات القهقرى تبحث عن هوياتها الدينية والعرقية¡ وهو ما نتج عنه شعبيات متزايدة لليمين المتطرف في أوروبا وأميركا.
ازدهرت الديمقراطية عقب حربين عالميتين قتل فيها نحو مئة مليون إنسان نصفهم مدنيون. نهضت من كبوتها تبني بيد في أرضها¡ وتقتل بيد أخرى خارجها. تداوي بيد¡ وتناول السلاح باليد الأخرى¡ تفتح مجالا للحريات وتلوح بالويل والثبور لمن يخالف قواعد اللعبة. تكافح الفساد في مؤسساتها وتسرق مقدرات الآخرين تحت ألف ذريعة وذريعة.
إبان الحرب الباردة كان التهمة بالشيوعية¡ ومنذ 11 سبتمبر2001م أصبحت تهمة الرأي المخالف هي الإرهاب. وتفتقت عقلية الديمقراطية الغربية عن أفكار لم تطرق عقول أكثر الأنظمة دكتاتورية فكان معتقل غوانتنامو والسجون السرية خارج عرين الديمقراطية¡ وكانت فضيحة سجن أبو غريب. عندها كان لنا القول الفصل¡ وقدمنا شهادات تلو الأخرى في مرافعات استمرت سنوات لإدانة المقررات الدينية في مدارس الدول الإسلامية.
من أجل عيون الديمقراطية وقفنا في وجه الحقيقة المرة¡ فعندما كشف تقرير الكونجرس المستقل علاقة القاعدة بإيران وحزب الله هرعنا بسرعة لجبر عثرة الديمقراطية¡ فشهدنا بأن الأمر اختلط على اللجنة الموقرة¡ فإيران لم تلتق أسامة بن لادن في السودان ولم تدرب عناصر القاعدة في معسكرات حزب الله في لبنانº كل ما في الأمر أن الطرفين اجتمعا في حلقة تطبير للعن أميركا¡ وإسرائيل¡ وتلك حرية تعبير مسموح بها في عرف الديمقراطية. أما الذين اعتبروا تلك الخلوة تآمرا فالويل لهم والثبور¡ فهم الخلايا النائمة. ولما اعترف كبار الساسة الأميركيون بأنهم تسببوا في صناعة القاعدة وداعش قلنا لعله غُمّ عليهم¡ فلم يتبينوا الفرق بين الصناعة والصِرَامة. تلك هي الديمقراطية التي لم نُوت بعد إلا قليلا.
لما اتخذ العدل في المحاكم الأميركية طريقه¡ ودان نظام الملالي في إيران وقضى بتعويضات أسر ضحايا تفجيراتها الإرهابية في بيروت¡ والخبر ونيويورك¡ صمت الإعلام الحر¡ ففهمنا الرسالة وقلنا لعل القضاة مخطئون¡ أو لهم تاريخ في معاداة السامية. لقد قلّبنا لهم الأعذار¡ واعتبرنا أن شيئا لم يكن.
الديمقراطية بخيلاء نخبها السياسية تشتمنا لاستدرار حماس الناخبين¡ ولا تكاد تسمع رأيا مختلفا في بلدان الرأي والرأي الآخر¡ وبسرعة نفهم حكمة الديمقراطية من ذلك ونتفهم ضرورات الانتخابات¡ وأنهم يقولون فيها ما لا يفعلون. وما أن يمتطي الشاتمون كراسي الحكم على أنقاض سمعتنا حتى نسارع بتثبيت أركانهم بأموالنا.
نرتشف نخب الأكاذيب الديمقراطية حتى الثمالة فيخيل لنا أن الغرب لا يأتيه الباطل لا من بحر الشمال ولا من المحيطº ومادام أن حالها كذلك فهي منزهة عن الزلل¡ وعلينا أن نواجه جنايتنا على البشريةº إذ نحن أم التطرف والإرهاب وأبوهما.
ما هي جنايتنا على الديمقراطية¿ عدد من الإرهابيين المارقين¡ الخارجين على دينهم ومجتمعاتهم فجروا في ديارهم كما فجروا في ديارنا¡ وفي أقدس مقدساتنا قبل ذلك. نفر مزقوا أشلاءهم وذوي قرابتهم قبل أن ينتقلوا إلى الآمنين في ديارهم. ومطلوب منا طوعا أو كرها التصديق بأن مناهجنا الدينية كانت سببا في مقتل 3000 نفس بريئة في أميركا¡ ومئات في لندن وباريس¡ ومدريد بعد ذلك. لنفترض جدلا أن مناهجنا سبب في تصدير خطاب الكراهية¡ فلماذا استغرق كل هذه القرون ولم يصل إلى أوروبا وأميركا إلا عام 1979م¡ لنفترض أيضا أن الغرب أصيب بصمم مؤقت¡ فماذا عن تقتيل الأوروبيين بعضهم في حربين عالميتين حصدت نحو مئة مليون إنسان أكثر من نصفهم مدنيون من النساء والأطفال¿ هل تخرج هتلر من الأزهر أو من الجامعة الإسلامية¿ وهل درس شارون في المعاهد العلمية ليرتكب مجزرة صبرا وشاتيلا¿ هل ثنى الطياران الأميركيان بول تيبتس وتشارلز سويني الركبَ عند شيخ سلفي قبل أن يدمرا بالقنابل النووية مدينتي هيروشيما ونغازاكي على رؤوس الأطفال والنساء والشيوخ والعجزة¿
عندما رأيت النشوة تفترش ملامح هيلاري كلينتون وهي تتفحص أشلاء معمر القذافي¡ لم أعد استغرب صمت الديمقراطية المتنمرة أمام جرائم الإبادة الجماعية في حلب. مساكين أهل سورية فقد صدقوا دعاوى الديمقراطية.




إضغط هنا لقراءة المزيد...