البعض منا لديه من دقة البصر – ولا أقول البصيرة – الكثير. ولديهم أيضا الوقت الذي فيه يتفرغون لتفحّص الأشياء بحثا عن المثير من الأمور. فقد سمعتُ نقاشا عن نوع من المرطبات¡ يقول القائل إنك إذا قلبت الزجاجة رأسا على عقب¡ وهي مملوءة¡ فإن انعكاس الضوء يُخرج لك كلمة أو أكثر تقول (لا مكّة) و(لا محمد). وأن تلك المشروبات يجب منعها من التداول! أو أن من تسبّب في تسويقها قوم يعملون على الحط من كرامة الدين والعقيدة¡ والتبشير بمعتقدات أخرى. أو أن من يقوم ببث تلك الأقوال يريدون فقط إضافة بعض الإثارة إلى حضورهم الاجتماعي. وعلى أمل أن تلقى تلك الأقاويل الساذجة استحسان زملاء أو أصدقاء.
واشتركتُ في الجدل وقلت: بسيطة يا أخي¡ لا تقلب الزجاجة. وكأن الذين يحاربون الدين لا يتركون شيئا للصدف بل يعملون على تهيئة الظروف المناسبة (قلب الزجاجة) لجعل الشارب يرى من خلال الزجاجة والسائل الكلمات التي ذكرتها¡ ثم تختفي طبعا تلك الكلمات عند اكتمال استهلاك المشروب.
ومُجيدو الإنجليزية وجدوا أن العبارة المنسوب إليها الكلام لا صلة لها ـ لا محمد¡ لا مكة ـ ومثل هذا الربط من المتكلف الممجوج¡ قال الفاهمون بأصول الدين والدعوة إن بعض الإخوة ربما من حرصهم وغيرتهم قاموا بدعاية كبيرة جدا وحملة ضخمة على كلمة شركة المشروبات الغازية وقتها ـ لأن الكلمة مكتوبة باللغة الإنجليزية¡ فقرؤوها من الخلف في الزجاجة بالعربي¡ كيف قرؤوها بالعربي وبالمقلوب: لا مكة ـ لا محمد ـ هذه الكلمة إفرنجية¡ فكيف يقرؤونها بالعربية¿ أظن أننا نعاني نوعا من الحساسية والكربة والوسواس النفسي تقرؤونها بالمقلوب وهي كلمة أعجمية¿ ثم أيضا ما هو المعنى: لا مكة ـ لا محمد¿ هي جملة غير مفيدة.
أراني أتجهُ إلى جدل نقدي أدبي وذلك عندما احتدم نقاش لغوي بين مجموعة من الأدباء والنقاد عندنا حول نشيد "غنّيتُ مكة" كلمات سعيد عقل تلحين الرحباني شدو فيروز. فقد أصر البعض بأن الشاعر عقل وصف أهل مكة بالصيد¡ وهي من أوصاف كلاب الصيد.
وحيث إن الشاعر مسيحي وكذا الملحن والمغنية كلهم مسيحيون¡ فقد تبادر إلى ذهن ناقد أو اثنين بأن سعيد عقل لا يقصد مدح مكة وأهلها. بأن وصفهم بالصيد. وجاء نُقاد في الجانب الآخر من الموضوع وقالوا: نرجو أن لا يقرأ الشاعر تلك التكهنات العرجاء¡ وإلا اتهمنا ليس بالجهل بل بقلة الذوق. لأن الكلمة جاءت بالشعر الجاهلي والأموي والعباسي¡ ضمن قصائد عصماء لشعراء فحول.
إضغط هنا لقراءة المزيد...