مما لا شك فيه أن العالم يموج بالإرهاب¡ فمن أين أتى¿ وما هو سبب انتشاره¿! فهل اعتلال المزاج الجمعي أحد مسالكه¿ وكيف يتم صياغة الوجدان¿ وما هو المخرج من هذا الكابوس¿
يتساءل الكثيرون ومنهم كاتبة هده السطور عن اعتلال المزاج العام¡ فلم أتحدث مع أحد إلا وهو يرثي الماضي ويبحث عن طريق للإحساس بالسعادة والبهجة¿!
نحن كما نحن لم نتغير والزمن هو هو لم يتغير شيء فما هذا الاعتلال في مزاج العامة وكيف الخروج من نفق الإحساس المسطح الذي أصبح سمة عامة.
توقفت هنيهة أمام وسائل الإعلام بصفتي أنا ومن هو في مثل مهنتي هم المنوطون بتحليل هذا المنتج وأثره على القاعدة العامة من الناسº فوجدت تغيرا واضحا وجليا في تناول هذه المادة المنعشة أو المدمرة في الوقت ذاته وخاصة فيما يمكنه من خاصية التلاعب بالوجدان!ٍ ولعل ذلك يرجع إلى اشتغال غير المتخصصين بهذه المهنة وإلى تكاثر القنوات الخاصة التي تبحث عن الربح فعداد المشاهدة هو من يجتذب الإعلانات ولأن شباك التذاكر في المسرح وفي السينما هو كذالك فأصبح البحث عن الإثارة - سواء في الخبر أو في الصورة - هو عنصر الجذب وليذهب الوجدان العام إلى الجحيم وتلك كارثة كبرى! فإذا ما قارنا ذلك بالماضي القريب لوجدنا أن الإعلام الرسمي هو المسيطر وهو في الوقت ذاته هو قطاع خدمي لا يبحث عن الربح وهذا هو أهم مفاصل معالجة الوجدان الجمعي.
يقول (هربرت شيللر) في كتابه التلاعب بالعقول: "تتم السيطرة على أجهزة المعلومات وفق قاعدة بسيطة من قواعد السوق¡ فامتلاك وسائل الإعلام والسيطرة عليها شأنه شأن الملكية الأخرى متاح لمن يملكون رأس المال¡ والنتيجة الحتمية لذلك أن تصبح محطات الإذاعة وشبكات التلفزيون والصحف والمجلات وصناعة السينما ودور النشر مملوكة جميعها لمجموعة من المؤسسات المشتركة والتكتلات الإعلامية ويصبح الجهاز الإعلامي جاهزا للاضطلاع بدور فعال وحاسم في عملية التضليل".
لقد كنت شاهد عيان إبان ثورة 25 يناير في مصر فلم أغادر كما غادر الكثيرون وكنت أرى ما يبث عبر أجهزة الإعلام بكل جنسياتها وعرقياتها وتوجهاتها وكانت جلها تصور أننا في أتون من النار بينما المارة يجولون في شوارعها ويشاهدون التلفاز ويتدفقون على المطاعم ويتابعون كما يتابع أهل الواق الواق كما يقال¡ فلماذا هذا التضليل ولماذا هذا التسابق على الفبركة والتضليل¿! ألم تكن هناك أمانة علمية على وجدان البشر¿ إنهم لا يزالون يتلاعبون بوجداناتنا ويقلبونها كيفما يشاؤون بعيدا عن المهنية والمصداقية فلا أمان ولا سلام سوى أمان وسلام الجيوب في معظم هذه الوسائل!
وهذه هي النتيجة عزلة مجتمعية وقلق واكتئاب وتشتت وفرقة وعداء وإرهاب وقل ما تشاء.
يقول الإعلامي سامي عبدالعزيز عميد كلية الإعلام بجامعة القاهرة في مقابلة له في إحدى القنوات وهي معلومة هامة من وجهة نظري ولا سيما أنه رجل ذو خبرة ومعرفة: "إن اعتلال المزاج العام يعمل على التمهيد للاختراق ويعمل على تضاؤل الإنتاج"!
دعونا نتأمل هذه المقولة ونبحر في مشكلاتنا سنجد أن من أهم مشكلاتنا (الاختراق وتضاؤل الإنتاج) والحقيقة أن للوجدان وصياغته شأنه في معالجة هذين الأمرين فهما عماد أي أمة¡ ونحن لا نزال نعمل معاولنا فيهما غير مبالين بأمانة حملها صناع هذه الآلة فهل يستفيقون ويبتعدون عن "شخشخة الجيوب" ويدعون وجدان العامة يرفل في سلام مع ذاته ومع العالمº بعيداً عن شعارات السلام. أي سلام سيدي وأنت تلهب الشارع بالعنف والدم والصور المفبركة والكذب الزعاف.
كنا ندرس في جامعاتنا قواعد الخبر وقواعده وهو من أهم قواعد الإعلام ففي الصحافة أضحى بحسب الهوى والتوجهº أما في الدراما فبعد أن كان البطل في جل الأفلام والمسلسلات هو الشخصية الحرفية من صناع ومهرة أصبح البطل هو الشخصية الدموية والقاتل و"البلطجي" وفي المسرح أصبح البطل هو شباك التذاكر بما يحمله من مشهيات أما برامج "التوك شو" فلا مناص من ثرثرة تستهلك الوقت والوجدان والتحريضº فأي وجدان ننشد وأي مستقبل ننتظر من جيل تربى على العنف والدم والكذب وخاصة فيما يسمونه بوسائل التواصل الاجتماعي وهي في الحقيقة آلة لتدمير الوجدان والكذب والتضليل تحت شعار حرية الفكر! يقول شيللر: "وتحت غطاء حماية الملكية الخاصة وحراسة رفاه الفرد وحقوقه يتم تشييد هيكل كامل من التضليل الإعلامي¡ فهذه الشركات العملاقة من الاحتكار الإعلامي تسوق على أنها مثال للجهد الفردي¡ ولكي يؤدي التضليل الإعلامي دوره بفعالية أكبر لا بد من إخفاء شواهد وجوده¡ أي أن التضليل يكون ناجحا عندما يشعر المضللون بأن الأشياء هي على ما هي عليه من الوجهة الطبيعية والحتمية¡ أو بعبارة أخرى: إن التضليل الإعلامي يقتضي واقعا زائفا هو الإنكار المستمر لوجوده أصلا¡ فقد شاركت وسائل الإعلام على اختلافها في الترويج لأسطورة المباحث الفيدرالية بوصفها وكالة لا سياسية عالية الكفاءة لتنفيذ القانون¡ ولكن جهاز المباحث استخدم في الواقع في إرهاب وتطويق أي سخط اجتماعي. ويبرر المسيطرون على وسائل الإعلام ما تحفل به برامج التلفزيون من جرائم قتل تعرض كل يوم بالعشرات بالقول: إنهم يقدمون للناس ما يحبونه¡ ثم يقولون بلا مبالاة: "إن الطبيعة الإنسانية تتطلب للأسف ثماني عشرة ساعة من الإيذاء والقتل. وتلقى كتابات تفسير النزوع الإنساني للعدوان والنهب برده إلى السلوك الحيواني سوقا شديدة الرواج". فهل نعي لما يقدم ونحصن أنفسنا من هذا الكذب الباذخ المسوق للعنف وللإرهاب¿




إضغط هنا لقراءة المزيد...