المنطقة تحتاج بشكل كبير إلى فرض الأمن والاستقرار وإلى استثمار حقيقي في رأس المال البشري من خلال نظام تعليمي معرفي قيمي يعمل على بناء مواطن يتمتع بمساحات عالية من التشاركية والمسؤولية..
هل هناك مربع محدد في ثقافة الشرق الأوسط الكبير يمكننا تحميله مسؤولية هذا التراكم الهائل من العنف الذي يملأ المنطقة¡ دول في المنطقة تعيش مرحلة تشبه القرون الوسطى من حيث غياب المعايير الإنسانية¡ والتراكمات الثقافية بشتى أنواعها تتخلص بشكل تلقائي من مسؤولياتها عبر حشر الأدلة التاريخية والتراثية بأن ما يجري في هذه المنطقة مستجلب بشكل خفي من خارج المنطقة.
العنف في هذه المنطقة يصل إلى مستويات تهدد الثقافة العالمية بمكوناتها وخاصة المكون الخاص بالسلم الدولي¡ فتأثير المنطقة عالميا ليس عملية سياسية مفتعلة يمكن اختراعها لتبرير التدخلات الدولية في هذه المنطقة¡ القضية أبعد من ذلك بكثير¡ فالمنطقة خلال المئة عام الماضية تكرس وتحفز نماذج التطرف وخاصة ذلك النوع الذي يعتمد التراث والإيديولوجيا والبعد الطائفي والعرقي¡ وهذه في الحقيقة هي الأنساق التي ساهمت في بناء أنظمة اجتماعية وثقافية في منطقة الشرق الأوسط ظلت مع كل محاولاتها غير قادرة على إدارة المجتمعات بشكل تحولي يتزامن مع التغيرات التي سادت العالم وخاصة في النصف الثاني من القرن العشرين.
في الشرق الأوسط وعبر تاريخ طويل تراكمت فيه الثنائيات أصبح من السهل إثبات الثنائيات المتناظرة من أجل تبرير المشكلات¡ فعلى سبيل المثال يتم تبرير التطرف والعنف الديني في مساحة كبيرة من الثقافة والمجتمعات كون هذا العنف ردة فعل طبيعية ضد أعداء الدين¡ مع أن الدين الإسلامي بشكل خاص وهو الدين الأكثر انتشارا في هذه المنطقة لا يصنع العداء¡ وخياراته التاريخية كلها خيارات ذات أبعاد حرة تمكن الجميع من التعايش في أي منظومة مجتمعية.
ثنائية المؤامرة والواقع تنتشر بشكل مقلق في ثقافة شعوب الشرق الأوسط¡ فالفشل في بناء منظومة تنموية أو إحداث إصلاح اقتصادي أو نجاح سياسي¡ كل ذلك يفسر في إطار المؤامرة الخيالية ضد شعوب المنطقة التي جربت كل نماذج التبرير لإخراج نفسها من دائرة الفشل في إحداث تحولات جديدة في ذاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
الشعوب الشرق أوسطية تعاني من أزمات تنموية في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية¡ وهذه الأزمات أنتجت ما هو أخطر حيث مسارات العنف المتطور¡ فالإنسان في الشرق الأوسط والكثير من دوله وخاصة تلك التي يمكن أن يطلق عليها "دول فاشلة" أصبح منتجا للعنف بطرق مختلفة¡ فهناك عنف أيديولوجي منتشر¡ أنتج المنظمات الإرهابية ولكن على الجانب الآخر هناك عنف ثقافي ينتشر بين هذه الشعوب يتمثل في فكرة الانعزال والخصوصية التي تعتبر ثقافيا مولدا طبيعيا لفكرة التفرد في ادعاء معرفة الحقائق وتبنيها كونها قضايا قطعية لا تقبل النقاش.
العنف في الشرق الأوسط لا يعطينا الكثير من البدائل للقضاء عليه أو حتى تجنبه ولو بشكل جزئي¡ ولكن الحقيقة التاريخية أن العالم والقوى الدولية لن تستثمر طويلا في حلول سياسية أو حتى عسكرية في منطقة الشرق الأوسط¡ فالإنسان في الشرق الأوسط ليس لديه الكثير من الخيارات وكذلك الدول وخاصة المنهارة والتي تعاني من أزمات سياسية أو اقتصادية مؤلمة.
المنطقة تحتاج بشكل كبير إلى فرض الأمن والاستقرار وإلى استثمار حقيقي في رأس المال البشري من خلال نظام تعليمي معرفي قيمي يعمل على بناء مواطن يتمتع بمساحات عالية من التشاركية والمسؤولية¡ ولكن في النهاية لا بد من الاعتراف من أن أهم وأكثر بدائل العنف في الشرق الأوسط تكمن في بناء منظومة تسهم في مناقشة الأزمة التاريخية التي ولدت مع تنامي ثنائية "الدين والهوية" التي تعاني منها المجتمعات في منطقة الشرق الأوسط دون استثناء.
إضغط هنا لقراءة المزيد...