تعد السوق المالية باعتبارها أحد أهم ركائز القطاعات الاقتصادية مرآة لمتانة ونمو الاقتصاد الوطني¡ وهي كذلك بالنسبة للمستثمرين أحد الأوعية الاستثمارية القابلة لاستيعاب تدوير الأموال في ظل قلة الخيارات الأخرىº وعلى هذ الأساس المفترض أن يتسم ما يتخذ في السوق من قرارات لضبط نشاطه وتقويم سلوكيات المتعاملين فيه من منطلق تعزيز سبل الثقة في مكونات منظومته ليكون سوقا كفئا وقناة استثمارية آمنة.
وثيقة برنامج "تحقيق التوازن المالي"¡ والتي أعلن عنها مؤخرا بالتزامن مع إعلان الميزانية اظهرت أن قطاع السوق المالي سيحظى بالاهتمام والدعم كأحد المحاور التي ستسهم في تمكين نمو القطاع الخاص¡ عبر بناء سوق مالية متقدمة ومستقرة ومنفتحة على العالم عبر عدد من المبادرات الهادفة إلى تسهيل إجراءات إدراج أسهم الشركات العامة والخاصة¡ وهو ما يستلزم رفع مستوى معايير الشفافية والحوكمة الحديثة¡ بما في ذلك التصدي للممارسات التي تنطوي على مخالفات لنظامي الشركات والسوق المالية.
بنظرة سريعة لواقع سوقنا المالي نجد أن هناك بعض الشركات المساهمة المدرجة لازال يثير الغرابة¡ والأغرب تساهل الجهات الرقابية فيما شاب عملية تنظيم ومراجعة الأصول وتقييمها من أخطاء وتمرير فاتورتها للمواطن بإجازة الطرح والإدراج¡ وفيما بعد التساهل مع إخفاقات مجالس إدارات هذه الشركات¡ "بمباركة" محاسبية من المراجعة الداخلية والمراقبة الخارجية¡ "لترميم" البيانات المالية وتضليل معطياتها وتحميل المساهمين الخسائر والأضرار نتيجة للأمن من العقوبة.
لهذا نقول إن تعميق السوق المالية يستلزم قبل وبعد كل شيء كذلك توفير الحماية القانونية الفعالة والمحاسبة القضائية الناجزة لحفظ حقوق المتداولين¡ لأن ذلك كفيل بتلافي كثير مما قد يعتري مرحلة طرح وإدراج الشركات من تجاوزات للمتطلبات النظامية والمعايير المهنية¡ وبنفس القدر يحقق الحماية للمتداولين فيما يتم تداوله فيما بعد في السوق المالية من أسهم وسندات وصكوك وصناديق¡ بحمايتها من أن لا تكون محلا لأي أزمات مفتعلة أو ممارسات غير قانونية بهدف تحقيق مكاسب غير مشروعة¡ وان يتم إخضاع تلك الأنشطة والأعمال غير المألوفة لنصوص للأنظمة ذات العلاقة¡ لكن ذلك يقتضي تسريع إجراءات مرحلة الاستدلال والتحقيق في مخالفات السوق والتي تتسم ببطيء شديد¡ فليس من المقبول أن يتم معالجة مخالفة السوق خلال سنوات في ظل ما تتسم به من طبيعة خاصة يسندها وجود الدليل المستندي لكافة الأنشطة والأعمال التي تجري على الورقة المالية¡ وان تحرص تلك الجهات وبنفس القدر على تأطير العدالة بمفهومها الواسع¡ والمساواة بالقدر الذي يحفظ حقوق المتداولين ويوضح الآليات الناجعة لتعويضهم عما فاتهم من مكاسب وما لحقهم من ضرر.




إضغط هنا لقراءة المزيد...