تنتشر في شوارعنا معارض بيع الأجهزة الكهربائية بالتقسيط المريح.. أنا وأنت نعلم أن 90% منها لا تبيع شيئا غير القروض البسيطة على الناس.. الأجهزة التي تراها في المحلات مجرد واجهة تتحايل بواسطتها على الربا وعلى وزارتي التجارة والمالية¡ وبالتالي يمكن أن تكون سيارات مستعملة¡ أو بطاقات سوا¡ أو حديدا علاه الصدأ¡ أو ملصقات صريحة على الصرافات.. المهم أن الجميع يستغلون فجوة (عدم وجود بنوك للفقراء) لاستغلال من رفضت البنوك إقراضه وأغلقت في وجهه كافة الأبواب..
ففي كل مجتمع يوجد أفراد يحتاجون لقروض صغيرة جدا (قد لا تزيد على عشرين ألف ريال) لا توفرها البنوك التقليدية¡ التي تهتم بتمويل فئة قليلة من الأثرياء ومن يملكون المال أصلا.. لهذا السبب نشأ نوع جديد من البنوك يقدم القروض الشخصية المتدنية ويخدم من لا يملكون ضمانات مالية كافية.. وفكرة هذه البنوك بدأت في بنغلاديش وتنتشر الآن في أكثر من 80 دولة حول العالم.. ورغم أنها موجودة حتى في الدول المتقدمة مازلنا في السعودية نتحسس من الاسم ونتحرج من فكرة إنشاء بنوك لتمويل محدودي الدخل فقط..
وبين غياب التشريعات¡ وتجاهل البنوك التقليدية¡ لا يجد البُسطاء -لتلبية احتياجاتهم الصغيرة- غير اللجوء لمعارض التقسيط¡ أو المجازفة في مساهمات غير مضمونة¡ أو الخضوع للدعايات المشبوهة على صرافات البنوك.. وجميعها حالات تؤكد حاجتهم إلى (مصادر تمويل بسيطة) تحفظ كرامتهم أو تساعدهم على بدء مشاريعهم الصغيرة!
وفي دول مثل بنغلاديش وكينيا وأندنونيسيا والهند -بل حتى اليمن والأردن والبحرين- ظهرت بنوك خاصة بإقراض الفقراء فقط (ابتكرها أستاذ الاقتصاد البنغالي محمد يونس وحاز بفضلها على جائزة نوبل).. فقد يكون المقترض أباً يحتاج لتاكسي أو أرملة تحتاج لماكينة خياطة أو صيادا يحتاج لقارب صغير أو شابا يرغب بفتح كشك اتصالات.. والعجيب أن هذه البنوك حققت خلال سنوات قليلة نجاحا مدهشا وأرباحا غير متوقعة بسبب الإقبال الشديد عليها وتعاملها مع أوسع شريحة في المجتمع.. وهي لا تحقق فقط أرباحا¡ بل اتضح أنها الأبعد عن الإفلاس وتبخر الأصول (والسبب¿) أن قروضها صغيرة أصلا وتتوزع على شريحة كبيرة تفوق عملاء أي بنك تقليدي.. وخبراء البنوك يدركون جيدا أهمية هذه المعادلة.
وصدق أو لا تصدقº هناك 10 بنوك على الأقل موجهة لخدمة محدودي الدخل (قامت بمبادرات وأموال سعودية) ومع هذا لا يوجد أي بنك من هذا النوع في السعودية نفسها.
لدينا للأسف عقبات إدارية وثقافية مازالت تعيق ظهور هذا النوع من البنوك¡ رغم أنها لا تحتاج لغير موافقة رسمية وتعاضد رؤوس الأموال لتمويلها (فبنك الفقراء في اليمن مثلا¡ موّنه التجار الحضارم في جدة)..
وحتى نسمع شيئا بهذا الخصوص يظل السؤال قائما:
لماذا لم تظهر لدينا بنوك كهذه رغم وجودها في أكثر من 80 دولة حول العالم¿
هل يرضيكم استمرار عمليات التحايل باسم التقسيط¡ أو المساهمات الوهمية¡ أو جدولة الديون الشخصية بنسب تراكمية¿
إضغط هنا لقراءة المزيد...