سلوك المجتمع يدل على ثقافته ووعيه ..¡ هذا من الأبجديات التي لا تقبل الجدل ... فأنت تستطيع أن تحكم عل مجتمع ما من خلال سلوك أفراده¡ فإن كانت راقية¡ متزنة¡ وخلاّقة¡ فإن سلوك المجتمع سوف يكون متزناً¡ وراقياً¡ ومن ثم لن ترى شذوذاً في التصرف¡ ولن ترى عبثاً¡ و لا فوضى¡ ولا شيئاً مشيناً أو معيباً ..
أما إذا كانت ثقافة المجتمع – السائدة – ثقافة مضطربة قائمة على الفوضى¡ والعبث¡ والاستهتار¡ والسخف¡ فإنك سوف ترى مجتمعاً أناسه في الغالب فوضويون¡ وعبثيون¡ ومستهترون¡ في تصرفاتهم¡ وفي سلوكهم اليومي .. سوف ترى ذلك في الشارع¡ وفي العمل¡ وفي السوق¡ بل في المنزل¡ والجلسات العامة¡ والخاصة ..!! و هكذا ترى الثقافة هي ضابط السلوك دائماً والمتحكمة فيه¡ فلو سرت في شارع ياباني مثلاً – لرأيت السلوك الراقي¡ في السير¡ والحركة¡ والاحترام المتبادل بين الناس¡ وفي عملية القيادة¡ واحترام النظام .. لرأيت السيارات تنساب في هدوء وصمت كما ينساب نهر هادئ¡ ولو دخلت حديقة يابانية¡ فسوف تجد النظافة¡ والنظام¡ والذوق¡ ولو دخلت مقهى¡ أو مطعماً يابانياً فإنك ستجد الجودة¡ والحذق¡ والمهارة في الخدمة¡ والرقي في التعامل¡ والراحة النفسية .. وذلك أن ثقافة احترام الآخر¡ واحترام المهنة¡ مترسخة في وجدان المجتمع لأن الناس تعلموا ذلك في المدرسة¡ ومن الأسرة¡ ومن الشارع¡ ومن السوق .. ومن القيم الاجتماعية المنضبطة التي هي في عمومها ثقافته¡ والثقافة التي أعنيها ليست ثقافة الفن والأدب مع أن هذه الأمور لها دور مؤثر في سلوك الناس¡ ولكن الذي أعنيه فوق ذلك هي الثقافة العامة¡ الثقافة الشعبية التي تنعكس على السلوك والتصرف.. وكما أسلفت فهذه كلها من صناعة مؤسسات المجتمع¡ وقوانين الوطن¡ فالشاب الذي يرعب الناس بالسرعة ويسبب الحوادث¡ والفواجع هو من نتاج المجتمع والموظف الفاسد¡ والعامل الوافد الذي لا يحترم عمله ولا يحترم المواطن في البلد الذي يعمل بها إنما تعلم ذلك من مشاهدته ومن سلوك العاملين مثله ومن حوله .. والمرأة التي ترهق زوجها بشراء ما لا تحتاجه¡ أو بشراء الأشياء الباهظة من أجل التباهي¡ والاستعراض هي امرأة متخلفة وإن كانت تدّعي الحداثة والعصرنة .. والرجل الذي يذبح عشرات الخراف على مأدبة واحدة من أجل الوجاهة والمدح هو رجل متخلف بكل المقاييس..
تقول لي من يصنع ثقافة المجتمع ..¿ أقول لك البيت أولاً ثم المدرسة¡ ثم الإعلام ..
فالأم التي لا ترعى أطفالها¡ ولا توجههم التوجيه الحسن¡ والسلوك الرفيع¡ ولا تدري ما يدور في خواطرهم¡ ولا في عقولهم بل ما يدور في غرفهم من ممارسات سلوكية¡ وفكرية¡ وتِكَلُ أمرهم في كل شيء إلى الخادمة هي أم لا تستحق شرف الأمومة ..
والمدرسة التي لا تعلم الانضباط والصرامة في هيبة المعلم وتقدير المعرفة واحترام الآخرين مع المحافظة على المعطيات الوطنية هي مدرسة ناقصة الأداء والمعرفة¡
والإعلام الذي¡ لا يرسّخ القيم والمثُل الإنسانية الرقية والأخلاق الرفيعة.. وإنما يركز على الملهيات وسفاسف الأمور هو إعلام هابط لا يحمل في رسالته سوى التفسخ والعهر والهدم والتدمير ..!!




إضغط هنا لقراءة المزيد...