يجب أن لا تمر بنا تجربة سياسة المحافظة على الحصة التي استغرقت تجربتها طوال العامين الكاملين (بالتحديد العامين: 2015 – 2016) بدون دراستها دراسة علمية واستخلاص الدروس منها.**
غنيُّ عن القول أن نقول إن الخسائر غير الظاهرة لسياسة المحافظة على الحصة أكثر كثيرا من خسائرها الظاهرة للعيان التي يعرفها الجميع. فكلنا نعرف أن أوضح التكاليف (الخسائر) الظاهرة لسياسة المحافظة على الحصص هو تآكل الاحتياطات المالية الهائلة¡ وحدوث العجز في ميزانيات الدول التي تبنت سياسة المحافظة على حصصهم¡ واضطرارهم للتقشف والاستدانة¡ وبالتالي هز مكانة هذه الدول في أعين العالم لتحولهم المفاجىء من دول مانحة للدول الأخرى إلى دول تستدين من الدول الأخرى.
لذا لا داعي أن أستطرد في سرد الخسائر الظاهرة للعيان التي يعرفها الجميع وسأكتفي باستعراض بعض الخسائر الخفيّة الفادحة (التي لا تعوض) الناتجة عن سياسة المحافظة على الحصص.
تقوم سياسة المحافظة على الحصة على أساس التسابق بين الدول المُصدّرة للبترول بزيادة إنتاجهم من البترول فوق المستوى الذي اعتادوا أن ينتجوه قبل التحدي¡ وإغراق السوق بالبترول كي ينخفض سعره إلى أقل من مستوى سعر القاع اللازم لاستمرار إنتاج بترول أصحاب التكاليف العالية.
شواهد التاريخ: تاريخيا عندما كان معدل استخراج البترول يتجاوز -أو حتى عند- مستوى الطاقة الإنتاجية الاحتمالية (sustainable capacity) حدث تاريخيا (وليس مُستبعد أن يحدث الآن) انخفاض غير متوقع في ضغط المكامن يؤدي إلى فقدان جزء من البترول المستخرج وبقائه مدفونا في المكمن لا يمكن استعادة استخراجه اقتصاديا¡ وبالتالي انخفاض معدل الاستخراج النهائي من الحقل.
هكذا يصبح من الواضح أن زيادة إنتاج البترول للمحافظة على الحصة ليست فقط تؤدي إلى تقصير عمر البترول بمقدار عدد البراميل الزائدة التي تم استخراجها بالفعل¡ بل يوجد أيضا جزء آخر مفقود غير منظور كان قابل للاستخراج لولا حدوث زيادة الإنتاج الطارئة للحفاظ على الحصة.
الخلاصة: الدافع الأساس إلى تبني دول أوبك سياسة المحافظة على الحصص (كما يقول جميع المحللين الغربيين) هو خوفهم من أن يستولي البترول الصخري على حصصهم¡ فقرروا أن يقضوا عليه عن طريق خفض سعر البترول إلى مستوى أقل من تكاليف إنتاجه. لكن عندما بدأ الصخري يخرج من السوق تحول الصراع على الحصص من صراع ضد الصخري إلى صراع بين دول أوبك أنفسهم.
لقد كان إنتاج أوبك قبل بداية تبنيها سياسة المحافظة على الحصة 31.0 مليون برميل في اليوم. ثم قفز إنتاجهم في بداية تنفيذ سياسة الحصص إلى 32.25 مليون برميل¡ فانخفض سعر البترول إلى 50 دولاراً للبرميل (سعر القاع لخروج البترول الصخري). لكن استمر الصراع على الحصص -بعد خروج الصخري- فقفز إنتاج أوبك إلى 34.0 مليون برميل فانخفض السعر إلى أقل من سعر القاع.
إضغط هنا لقراءة المزيد...