حظي الكتاب والشعراء في كل الحضارات وعند كل الأمم باحترام خاص. احترمهم السياسي والتاجر ومحضهم الناس العاديون الإجلال. في كل حضارة إنسانية مثلت طبقة الكتاب نخبة النخب.
الشاعر هو الشاعر والكاتب هو الكاتب لا يميز البشر بين ميولهم وعقائدهم وبين توجهاتهم. التقدير والإجلال للمهنة وليس للفرد. في اللحظة التي تعرف فيها أن هذا الرجل أو تلك المرأة كاتب سوف ترتفع درجة احترامك له حتى قبل أن تعرف توجهاته الفنية أو الفكرية.
اللحظة التاريخية الوحيدة التي فقد فيها الكاتب والشاعر مكانتهما الاصيلة هي هذه اللحظة التي نعيش فيها في بلادنا والعالم العربي. يتعرض الكتاب في بلادنا وفي كثير من البلاد العربية إلى حملة تشويه أخلاقية ودينية ووطنية. أصبحوا خونة وعملاء وطالبي مال ومطبلين. ليس الهدف كاتبا معينا أو اثنين أو توجها معينا ولكن الحملة تتجه إلى الإطاحة بأهم عنصر من عناصر الحضارة الإنسانية. صناعة الفكر لأول مرة في تاريخ البشرية¡ تواجه صناعة الكتابة جهازا متكاملا مهمته تشويه هذه الوظيفة النبيلة.
اخترعت داعش كل الوظائف لبناء خلافتها بما في ذلك وظيفة (مصرفي بنك)¡ ولكنها لم تسع ابدا إلى خلق وظيفة كاتب. هذا التوجه ينبئك لماذا يشن كثير من الداعشيين الملتحفين بملابس الوسطية داخل البلاد حملات تشويه لمهنة الكتابة. حرب هدفها إزالة عمل التفكير باجتثاث قيمة واحترام المصنعين له من نفوس الناس.
اكتسب الكاتب والشاعر في الحضارة الإسلامية مكانة كبيرة ومميزة. أصبح محل تقدير التاريخ. بقيت أسماء هؤلاء الكتاب والشعراء تنحدر في وعي الناس جيلا بعد جيل¡ وزال حتى الزعماء الذين احاطوا بهم وعاش هؤلاء الكتاب والشعراء في كنفهم. من الصعب على الرجل العادي اليوم أن يعرف في أي عهد عاش الجاحظ¡ ولكنه يعرف من هو الجاحظ. مازالت كتب هذا الكاتب الساخر تدرس في الجامعات¡ وتباع في المكتبات وأقواله محل استشهاد الكتاب والمثقفين.
كتاب الأغاني للأصفهاني من أهم كتب التراث العربي. امتلأت مجلداته بأخبار واطوار المغنين والمطربين¡ والقيان¡ وفسق الولاة¡ والاشعار بكافة توجهاتها الأخلاقية. ما الذي يمكن أن يحل بأبي الفرج الاصفهاني لو عاش في عصرنا هذا وقرر ناشره أن يسوقه في معرض الكتاب في الرياض أو الكويت أو جدة.
داعش ليس مجرد منظمة إرهابية. داعش مشروع وجد قبل أن توجد المنظمة التي تمثله على الأرض. ثمرة طبيعية لعملية تشويه منظمة ومستمرة للفكر والفن والأدب.
إضغط هنا لقراءة المزيد...