برزت لدي الإنسان رغبات وممارسات – قل غرائز – لم تكن موجودة في السابق .
نرى كثرة الرغبة في العودة إلى الفطرة¡ وبمساحات كبيرة جدا¡ مع أننا في جانب آخر نتوق إلى العصرنة .. والترف ومماشاة التغريب .
وقد تتسع المساحة وتتناسب تناسبا طرديامع الوفرة المالية .. ربما كان لتعقيدات الحياة أثر على ذلك الهوى المفاجئ .
لاحظنا كثرة المؤسسات التي تُعلن عن نفسها¡ وعن استعدادها لتشييد الخيام وبيوت الشعر¡ داحل المساكن¡ أو في استراحات خارج المدن.
كذلك بدأت إعلانات تظهر عن " منازل ريفية " تقليدية. وأيضا " بناء ملاحق ". وقد يدعم ذلك أننا نُصاب بالسأم¡ وفراغ الروح من مساكننا العادية¡ والتى خسرنا على تشييدها وزخرفتها¡ وشراء الرخام الجيد والثمين لها .
زرتُ شاليهاً " في الكويت يملكهُ أحد أصدقائي ¡ وهو كويتي. لاحظتُ أن جميع الأعمدة من جذوع النخل¡ والفرش من السدو الغالي. والمالك ذو جذور نجدية¡ ويحب أهل السعودية¡ ويميل إلى أخبارهم القديمة ( علوم الرجال ) .
البعض يرى أن هذا كله ليس حبا في الجذور¡ أو ميلا ورغبة في التراث والماضي ¡ لكنه نوع من الرفض للحياة المعاصرة بزخارفها وأضوائها. . والبعض يقول إنها مباهاة¡ ومحاولة سبق الآخر .
هل نادت الفطرة الإنسان العصري إلى جو الطمأنينة التي لم يكن ليجدها في الترف العصري ¿
يبدو أن الإنسان العصري قد بدأ يتعب من حالتي التخمة والليونة اللتين سيطرتا على حياة ذوي الدخول المرتفعة منذ أن تمادوا في حضارة العصر .
مثلا : فنادق خمس نجوم لا تحسّ بك .. أو حتى بوجودك عندهم .. تخرج ... تنام ... أو تضيع .. ! .
أنت عبارة عن رمز¡ ورقم في حاسوب . وبطاقة ائتمان مضمونة .
روحانية جمعيات الرعاية في إيطاليا¡ جعلتهم يحولون أحد الأديرة الحجرية القديمة إلى منتجع¡ يستضيف السياح العابرين¡ والراغبين في البعد عن الضجيج .. والأضواء .. والموسيقى الصاخبة¡ وكثرة ملء الاستمارات والنماذج .
ذاك المنتجع مجانا.. لا تدفع شيئا.. ولا تملأ نموذجاً وليس ثمة ما يُسمى " خدمات الغرف " ( روم سيرفيس ) .
قالت المسؤولة إن النوم هو على سرير من الحجر¡ والنافذة مفتوحة على الدوام¡ ويجد الضيف الفطور صباحا يغلي في الطابق السفلي من الدير¡ وهو ( أي الفطور ) عبارة عن صحن من الشوفان فقط .. !
ويُترك الأمر لأريحية الضيف بأن يضع " المقسوم "في صندوق مُعدّ لهذا الغرض ¡ ثم يرحل بسلام. وإن لم يضع شيئا.. ( الأمر سهل ).
وتقول المشرفة : حالما أحس الأميركيون من زوار إيطاليا بتلك الخدمة البدائية¡ تدافعوا عبر الطريق السريع الذي يمرّ بذاك الدير على أمل أن " ينعموا بيوم وليلة " .
يمكن تسويق الفكرة بأن الدير يتمتع بحماية ذاتية ضد اللصوص¡ وعفاريت العنف والسرقات والابتزاز ¡ لأنه " مافيه شيء ينسرق " .
إضغط هنا لقراءة المزيد...