إن من يتأمل أفكار الجماعات الراديكالية المتطرفة سيجد أنها تستعين بالترويج لأفكارها من خلال اعتمادها على الفكر الإسلامي والذي من خلاله تمرر كل فكرة تساعد على ممارسة فكرها المتطرف. فلو أخذنا حمل السلاح واستعماله ضد المسلمين والذي جاء فيه نصوص مشددة ومغلظة في المنع, فحمل السلاح في الفكر الإسلامي لم يكن في يوم من الأيام عبثياً ولا فوضوياً, بل كان يراعى فيه الضوابط الشرعية التي تمنع الفوضى والظلم والتعدي. ولنأخذ مثلاً: أفكار محمد عبدالسلام فرج في رسالته (الفريضة الغائبة) فهذه الرسالة تنظر للقتل بشكل فوضوي وعشوائي, ولم يراع فيها مقاصد الشريعة في الجهاد, كما لم يراع حرمة الدماء! بالرغم من أن كاتبها وهو شاب متطرف من جماعة الجهاد¡ كتبت في الثمانينات من القرن الماضي¡ واتخذت كدستور لجماعة الجهاد ولكي تروج هذه الأفكار, استعين بالكتاب والسنةº لكي تروج فكرها المتطرف مما نتج عن فكر هجين¡ لا يمثّل حقيقة الإسلام في مثل هذه المواقف, ومن نافلة القول إنه ليس كل من احتج بالكتاب والسنة هو مصيب في مواقفه, فكم من ضلال احتج له بالكتاب والسنة تناسى أصحابه عن عمد مقصد الشريعة¡ وسيرة السلف الصالح في مثل هذه المواقف, ويكفي أن نطالع ما حدث مع الإمام علي في محاججته لفرق الخوارج وقد كانوا وقتها أي (الخوارج) من حفاظ القرآن الكريم ومن العباد, إلا أنهم سلكوا في احتجاجهم لأفكارهم الهجينة مسلكاً غير معرفي. ومما سنلاحظه هنا أن الإمام علي وعبدالله ابن عباس اللذين قاما بمحاججة الخوارج هم من أعلم الصحابة في عصرهم وبالرغم من ذلك نجد أن الخوارج كانوا يستطيلون على الإمام علي وكان يواجههم بالصبر والتؤدة. لقد كانت الحوارات والمساجلات التي تمت بين الإمام علي وعبدالله ابن عباس مع الخوارج تمثل مسلكاً صارماً للتمسك بمبادئ الإسلام الحنيفة الدالة على المقصد الكلي للتسامح¡ والتأكيد على حرمة الدماء. أما خوارج هذه الأيام والذين أتوا بخطاب يؤيد عنفهم¡ وإجرامهم في حق المسلمين والمجتمع الإسلامي, فلا تجد أن لديهم فكرة تقوم على نصوص محكمة والغالب على أفكارهم إنها من الأفكار الهجينة المأخوذة من متشابه النصوص¡ ولم يكتفوا بذلك, بل استعانوا على فتاوى شاذة في مسألة التمترس والتي جاءت في وقت له ظروفه الداعية له. أما في هذه الأيام, فلا يمكن أن استحل أو أن تستحل الدماء والأعراض بمثل هذه الفتاوى¡ والغريب أننا لو تأملنا الخطاب الراديكالي في القاعدة, سنجد انه تفصيلي وسجالي يسهبون فيه ويطيلون الحجاج. بينما نجد أن خطاب الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) هو خطاب مختصر وقصير¡ ولم يراع فيه اصحابه التطويل في السجال, وهنا كمقارنة علمية بين بدايات القاعدة¡ والتي كانت تحاول أن تروج لأفكارها المتطرفة من خلال الحجاج مع الآخر الذي تعتبره معادياً لها¡ أو مشكوكاً في أمره, فظهرت مع بداياتهم مجموعة كتب مطولة, أما أدبيات الدولة الإسلامية (داعش) فهي وريقات قليلة ومقتضبة, ويدعون من خلالها أن الزمن والوقت ليس بزمن تأليف للكتب وهذا ما كان يردده أبو محمد العدناني والذي كان مستشاراً عند أبو بكر البغدادي. ومنذ اغتيال أبو محمد العدناني لم يظهر أي رسالة علمية تدافع عن مشروعية مسلك داعش المريب. وهنا نتذكر ما كان يرميهم به أيمن الظواهري في مراسلاته التي تمت مع أبو محمد العدناني, فقد كان الظواهري¡ ومن بعده أبو محمد المقدسي يرمون جماعة الدولة الإسلامية (داعش) بالانحراف عن خط العمل المسلح نحو التطرف, ولم يكتف أبو محمد المقدسي بل بكته في رسائله ورماهم بالجهل المطبق¡ وحقيقة أن المقدسي لا يقل عنهم تطرفاً وانحرافاً عن الإسلام السوي وخروجاً عليه. إلا أن ما حدث بين القاعدة والدولة الإسلامية (داعش) هو خصومة على القيادة ويضاف إلى ذلك أن داعش وكما يرى أبو محمد المقدسي أصبحت رهينة لأفكار اناس محدودي المعرفة والفقه. فأكثر ممارسات داعش هي ممارسات متعسفة وظالمة بشكل فاضح. أما القاعدة, فترى أن من الممكن ممارسة نفس هذه الممارسات في الظلام وليس بالعلن كما يمارسه داعش. إذاً الخلاف بين داعش والقاعدة ليس خلافاً على أصول المسائل, وإنما هو خلاف حول التكتيكات المتبعة عند فئتين. إن من أهم الصفات التي يجب أن يتمتع بها الكادر المنضم لداعش, هو ألا يكون طالب علمº لهذا نجد أن داعش لم تسلط الأضواء على عناصرها كطلاب علم ولا غيرهمº بل انزوى كوادرها في ظلمة الكهوف, ولا نعرف عنهم إلا القليل. أما القاعدة فقد ملأت الدنيا تنظيراً وتبريراً لمسالك متطرفة, وكذا نجد عند أبو محمد المقدسي, وهي ظاهرة تستحق الدراسة. فمن المعروف أن داعش لا يوجد فيها خطاب علمي وأن أبا بكر البغدادي الذي سمي بأمير المؤمنين هو في الحقيقة محدود المعرفةº لهذا لا نجد له أي نتاج على مستوى التأليف وما نجده له هو مجرد خطب منبرية تكاد تكون ساذجة وضعيفة معرفياً. ولهذا شكك الكثير بحقيقة كون داعش هي إسلامية فعلاً أو إسلامية الهوى, وأن ما ينادون به هي مجرد شعارات من مجموعة ضباط في الحرس الجمهوري من أنصار صدام حسين¡ ومن فلول حزب البعث. إن ما صنع داعش في العراق ليس خطابهم الفكري, بينما صنعهم الصراع المذهبي¡ والتنمر الذي لقيه أهل السنة في العراق. فجميع الأماكن التي كانت تحتضن بعض كوادر داعش هي أماكن سنية لقيت بعد دخول الجيش الاميركي الظلم من جماعات الصفويين المتطرفينº فتكون السخط العام على الإدارة المركزية في بغداد. إن من يحللون خطاب داعش الهجين يتناسون المراحل المبكرة لنشأة السخط على الصفويين, ولا يستطيع أحد أن ينسى القتل على الهوية والذي يمارس من قبل كوادر الصفويين حتى هذه الساعة.
إضغط هنا لقراءة المزيد...