لا نستطيع أن ننكر إن الخطاب الإسلامي في العصر الحديث لطالما عانى من النصوصية¡ والانغلاق الفكري والمذهبي , رافقه عجز الكثير من الحركات الإصلاحية عن ربط الحمولة التاريخية الإسلامية الكبرى بالعصر وبالعالم , حيث انخفضت داخل بنية ذلك الفكر النشاط الخلاق المبدع المستجيب لسنة التبدل الإلهية, وانحسر في عملية قياس فقهي على ماض مثالي ومكتمل وصعب التحقق, وبالتالي نتج عن هذا تيارات من العنف والتعصب المنغلق والصراع الدموي, الذي استلزم وقفات المراجعة والتفكيك وإعادة قراءة التراث وفق سياقاته التاريخية, بهدف استشراف مستقبل منعتق من عثرات الماضي.
وإذا أردنا أن نستشرف جزءا من ملامح الخطاب الإسلامي للعشر سنوات القادمة, لابد أن نتوقف طويلاً عند إعلان جاكرتا الذي تضمن خطاب خادم الحرمين الشريفين –حفظه الله – أثناء اجتماعه والرئيس الأندونيسي (جوكو ويدو دو), بمجموعة من أتباع الديانات المختلفة .
فكون اللقاء (بأتباع الديانات المختلفة) جزء من البروتكول الرسمي للزيارة, هو بحد ذاته يحدد الإطار الذي ستتحرك فيه السياسات في الدول الإسلامية الكبرى , عبر توجه عالمي منفتح على الثقافات والأديان والحضارات .
فالمملكة وأندونيسيا تعتبران جناحي العالم الإسلامي الأقوى, فالمملكة بمكانتها الروحية وخدمتها للاماكن المقدسة, إضافة إلى ثقلها الاقتصادي في المنطقة, بينما أندونيسيا هي أكبر دولة إسلامية على مستوى تعداد السكان, وواحدة من أبرز النمور الآسيوية القادمة بحماس وقوة .
كما إن كلاً من المملكة وأندونيسيا معا عانتا من تيارات العنف الديني¡ ومواجهات العنف والتعصب.
ومن هنا جاء إعلان جاكرتا مستجيباً لمتطلبات المرحلة الحرجة, والصراعات الدولية المتربصة بالمنطقة, ليقدم واجهة لإسلام عمارة الأرض, إسلام التعايش, ومسارات سيندرج فيها الإسلام باتجاه الروحانية, وتوسعة الخطوات اتجاه أرضية المشترك والتعايش العالمي.
حيث جعل الإعلان روح التسامح والتعايش بين أبناء الشعب شرطا للاستقرار السياسي¡ والنهضة الاقتصادية¡ وازدهار الشعوب (إندونيسيا تتمتع باستقرر سياسي ونهضة اقتصادية, وذلك نتيجة روح تسامح والتعايش بين أبناء الشعب الإندونيسي)
وبات مركز الحوار بين أتباع الأديان والثقافات في فيينا هو فخر الدبلوماسية الوطنية, وواجهة عالمية لخطاب يعبّد كل الدروب بيننا وبين المجتمع الدولي / الآخر .
سطور إعلان جاكرتا يختزل السمة العامة للسياسات الدولية في أهم دولتين مسلمتين, حيث أرضية ممهدة بالقبول والتسامح, هو خطاب ترفعه المملكة داخل المجتمع الدولي عبر رأس هرم صناعة القرار (بأهمية التواصل والحوار بين أتباع الديانات والثقافات المختلفة ).
تلك كانت الملامح والخطوط العريضة التي تحملها رؤية القيادة, ويبقى على الشعوب أن تدرجها في مساراتها وتحولها إلى وعي وخطط عمل , ومحاضن... للسعودية /المستقبل .




إضغط هنا لقراءة المزيد...