فوجئ هذا الصديق بالاستدعاء¡ "جامعة ابني من أهم الجامعات بمدينة الرياض¡ ولقد طلبوا مني الحضور للتوقيع بالعلم بمعدل ابني الدراسي المنخفض¡ ولكي أتعهد بتحمل مسؤولية أدائه في الفصل الدراسي القادم".. مع الأخذ بالاعتبار أن ابن ذلك الصديق يبلغ الثالثة والعشرين من العمر. بالمقابل فإن صديقتي الإيطالية مصعوقة¡ تقول: "الوضع الاقتصادي في إيطاليا وأوروبا عموماً يقود لمأزق¡ حيث بدأت صرعة مخيفة تدعو للقلق إذ نجد الشباب الذين بلغوا السابعة عشرة والثامنة عشرة من العمر لا يزالون يعيشون بمنازل أهاليهم¡ ولا يستقلون بمساكنهم كما هي العادة هنا خلال العقود الماضية¡ وهذا تدهور على مستوى الاستقلالية والاعتماد على الذات".
تصريحان يلفتان النظر لما آل إليه مفهوم التكليف والاستقلالية على اختلاف المجتمعات الشرقية والغربية¡ مع العلم أن التكليف في الإسلام يبدأ مع سن البلوغ وهو الثامنة عشرة في الذكور والسابعة عشرة في الإناث¡ بل وذهب بعض العلماء بالقول لكونه يبدأ من سن الخامسة عشرة للجنسين¡ والتكليف في اللغة هو الإلزام بما يشق على المرء¡ أي أنه بداية درب المشقة الدنيوية وما ينطوي عليه من تحمل تبعات الواقع.
ورغم إلزام الشرع للفرد البالغ بتحمل مسؤولية ذاته إلا أننا وكمجتمعات تطبق سلسلة من الوصاية على الأفراد نهمل الحكمة من ذلك التكليف¡ مما يؤدي لظاهرة الحضانة الأبدية والاتكالية المستفحلة لدى بعض الشباب غير القادر وغير المتحمس لحمل مسؤولية الذات. وهذا لا يعني الموافقة على مبدأ دفع الأبناء لمغادرة العش العائلي في سن الثامنة عشرة كما يتم في المجتمعات الغربية¡ لكن من المهم أن يعي الفرد العاقل والكامل الرشد بأنه الحامل لمصيره والفاعل الوحيد فيه¡ وأن نجاحه العلمي أو العملي ليس منحة يقدمها لوالديه بقدر ما هو دفعة في سبيل الارتقاء بخصائصه الشخصية وفرصه الحياتية¡ فالتكليف في سن الثامنة عشرة هو بداية المحك الحقيقي للحصيلة الفردية التي تمت في حضانة الأسرة¡ هو تحريض للصفات الذاتية وللقدرات الكامنة¡ وما ينجم عن ذلك من صقل للفردية¡ وذلك لا يعني بأي شكل من الأشكال التنصل من العائلة أو الدور المجتمعي¡ وإنما هو خروج للجذع عن الإطار المحدود ليصلب ويرتفع في السماء كشجرة نامية¡ وهذا يتطلب من المجتمع ليس فقط أن يعترف بتلك الفردية¡ وإنما أيضاً أن يدفع الفرد لممارسة فرديته¡ أي أن يوقع الطالب على التعهد بقلمه هو لا قلم أبيه.




إضغط هنا لقراءة المزيد...