نعرف أن سويسرا مركز صناعة الساعات العريقة¡ ولكن القليل يعرف أنها أول من صنع ساعة إلكترونية عام 1967.. كانت الساعات قبل ذلك تعتمد على الحركة الميكانيكية (بواسطة الزنبرك أو حركة اليد) ثم اكتشفت مادة الكوارتز الكريستالية التي تطلق اهتزازات منتظمة حين تتعرض لنبضات كهربائية ضعيفة.. ولأن دقتها تفوق الساعات الميكانيكية بآلاف المرات تم استغلالها لصنع ساعات أكثر دقة¡ وأخف وزناً¡ وأقل تعقيداً¡ وأرخص ثمناً¡ ولا تختلف من حيث الشكل عن الساعات التقليدية الثمينة..
غير أن الورش السويسرية (المتخصصة منذ قرون في صنع الساعات الميكانيكية المعقدة) لم تتقبل الفكرة الجديدة واعتبرتها أقل مستوى من عملائهم.. لهذا السبب لم تزدهر صناعة الساعات الإلكترونية في سويسرا بل هربت إلى اليابان التي طورتها وإعادة تصديرها للعالم.. نجحت شركات مثل سيكو وسيتزن وكاسيو في صنع ساعات كوارتز جميلة غزت حتى أسواق سويسرا نفسها.. وبحلول عام 2000 خسرت الساعات السويسرية العريقة 90% من أسواقها العالمية (خصوصاً بعد تصنيع بقية الدول الآسيوية للساعات الإلكترونية) وكادت تنهار بسبب اختراع بدأت به أولاً..
هذه القصة مجرد نموذج لحكايات فشل ونجاح وتبدل سريع طال صناعات كثيرة حول العالم.. قصة تتضمن طرفين رئيسيين¡ الأول عريق وقديم لا يستوعب سرعة التغير (مثل ورش الساعات السويسرية) والثاني جديد وناشئ يستشرف المستقبل ويصنع لنفسه سوقاً مختلفاً (مثل مصانع الساعات اليابانية)..
القصة نفسها تكررت لاحقاً مع شركة نوكيا التي كانت تسيطر على 80% من سوق الهواتف المحمولة في العالم. غير أنها تجاهلت سوق الهواتف الذكية التي بدأت عام 2007 حين قدمت شركة آبل أول جيل من جهاز الآيفون.. ومع تغير عادات المستهلكين انحسرت مبيعات نوكيا وانخفضت قيمتها السوقية من 204 مليارات دولار إلى 8 مليارات فقط عام 2014 (وكتبت عنها مقالاً مفصلاً بعنوان درس نوكيا)..
وحتى عام 1999 كانت شركة إكسيت Excite تملك ثاني أكبر محرك بحث على الإنترنت.. وفي ذلك العام حاول طالبان من جامعة ستانفورد بيعها معادلة رياضية جديدة من شأنها تسريع البحث عن النتائج.. طلبا مليون دولار¡ ثم خفضا المبلغ لنصف مليون¡ ثم لربع مليون¡ ولكن إكسيت كانت مغرورة بنجاحها ولم ترَ الإمكانات الحقيقية لمعادلة البحث الجديدة.. وبسبب عدم وجود مشترين قرر سيرجي برين ولاري بايج إنشاء محركهما الخاص "غوغل" الذي تتجاوز قيمته اليوم 130 مليار دولار (في حين تكاد إكسيت تختفي من الوجود)!!
ووجه الشبه بين هذه القصص هو وجود "طرف عريق" يصعب عليه التخلي عن استثماراته القديمة من أجل أفكار جديدة.. "وطرف ناشئ" لا يملك ما يخسره فيصبح أكثر حرية ومرونة في تجربة الأفكار الجديدة واقتحام أسواق غير مضمونة..
إضغط هنا لقراءة المزيد...