بالتأكيد¡ يواجه أرباب الأسر في المملكة اليوم خيارات صعبة مع متطلبات أسرهم في ظل التباطؤ الاقتصادي وانخفاض الدخول ورفع الدعم عن الكهرباء والطاقة¡ فمن سيقنع الأسر أن المتطلبات الاستهلاكية يجب ترشيدها¿ ومن يقنع الأطفال أن مدرسة الحكومة تقدم نفس مناهج المدرسة الخاصة¿ ومن يقنع العوائل أن السياحة الداخلية بديل للسفر للخارج¿ ومن ومن ومن.. إلخ¿
اقتصادياً¡ يرتبط الاستهلاك أو الصرف بالدخل الشخصي بعلاقة طردية¡ وهذه العلاقة واضحة في حال زيادة الدخل ولا تحتاج شرحاً ويكفي للتدليل عليها أن ما يسمى "الميل الحدي للاستهلاك" يزيد بحسب الدراسات غالباً عن 85% (أي كل زيادة مئة ريال في الدخل الشخصي يذهب منها 85 ريالاً للاستهلاك).
ولكن ماذا عن الاتجاه الآخر¿ أي هل يؤدي انخفاض الدخل إلى انخفاض الاستهلاك¿ الجواب اقتصادياً هو نعم¡ ولكن فيه تفاصيل. ففي حال انخفاض الدخل يحاول المستهلك المقاومة للبقاء على نفس مستوى استهلاكه قبل انخفاض دخله¡ وهذا يعود لعوامل نفسية أو اجتماعية (كالتقليد ومحاكاة المجتمع الذي يعيش فيه)¡ ويلجأ الشخص على إثرها لما يسمى بالدخل الدائم لتعويض نقص دخله الشخصي (= الدخل الشخصي + أي دخل آخر من إيجارات أو استثمارات أخرى¡ ويسمى الأخير الدخل العائد على الثروة) ليبقى على مستوى استهلاكه السابق¡ وربما لجأ للاقتراض وخصوصاً في بدايات انخفاض دخله للبقاء على نفس مستوى استهلاكه السابق.
وهذا الكلام المأخوذ من نظريات سلوك المستهلك يفسر حزم الناس لشنطها باتجاه دبي وغيرها خلال هذا الأسبوع (إجازة منتصف الفصل الدراسي) بالرغم من انخفاض دخول أرباب هذه الأسر نتيجة فقد امتيارات مالية أو نتيجة الخصم الذي طال دخولهم وفقدانهم للعلاوة السنوية¡ فمن اعتاد على شيء صعب عليه التنازل عنه.
ولكن هذا التحليل النظري وما ذكر عن مقاومة المستهلك لتقليل استهلاكه لا يمكن قبوله على إطلاقه في المملكة اليوم¡ فالواضح أن هذا السلوك يقتصر على نوع محدد من الاستهلاك لا كل استهلاك¡ والملاحظ فعلياً أن المستهلك أحجم عن شراء الكثير من السلع والخدمات أو ترشيد استهلاكه منها وهو ما جعل السوق تصل لحالة الركود اليوم.
أخيراً يبقى الحديث عن البدائل هو الأهم حالياً¡ فحينما يرغب أو يجبر المستهلك على التنازل عن المدارس الخاصة نتيجة انخفاض دخله فهل مدارس الحكومة بديل كامل¿ وحين يتنازل عن السياحة الخارجية فهل قدمنا له البديل¿ وحين يزهد في الشراء من الخارج فهل قضينا على الاحتكار الذي رفع عليه أسعار السلع مقارنة بأسعارها في الخارج¿
هذه الأسئلة ومثلها الكثير موجهة لأجهزة الحكومة كل فيما يعنيه¡ فالأكيد أنك ما لم توفر البدائل الجيدة فلن تكون قادراً على إقناع الناس بالصرف داخلياً¡ وحتى مع انخفاض الدخول سيكون السلوك السائد هو الترشيد والتقشف داخلياً في سبيل التوفير للسفر للخارج للسياحة وشراء الاحتياجات التي رفع الاحتكار عندنا أسعارها بلا مبرر.




إضغط هنا لقراءة المزيد...