"إن إعادة هيكلة جامعة الدول العربية¡ وإصلاحها وتطويرها أصبحت مسألة ضرورية ينبغي الإسراع في تحقيقها". هذا التعبير جاء في كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- في القمة العربية الثامنة والعشرين التي عقدت في المملكة الأردنية الهاشمية في 29 مارس 2017م.
وعلى أهمية كل ما جاء في الكلمة وما تطرقت له من محاور¡ إلا أنني أعتقد بأن المحور المتعلق بإعادة هيكلة جامعة الدول العربية وإصلاحها يستحق قراءته بشكل دقيق وعميق خاصة أنه جاء في كلمة قائد عربي وإسلامي كبير يحظى باحترام وتقدير العالم من شرقه إلى غربه. ومن هذه النقاط التي تؤشر لأهمية هذا المحور:
إن العمل السريع لإعادة هيكلة وإصلاح جامعة الدول العربية مُهم جداً لإعادة الثقة فيها¡ وفي الوقت نفسه ليكون هناك أمل في عمل عربي مشترك يرتقي لتطلعات الرأي العام العربي..
أولاً: إن كلمة خادم الحرمين الشريفين تلمّست بشكلٍ مباشر رغبات وتطلعات وأطروحات الرأي العام العربي التي تُطالب بأهمية تفعيل دور جامعة الدول العربية. فالرأي العام العربي أصبح أكثر اطلاعاً على ما يدور من أحداث في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها من مجالات. هذا الاطلاع جعل الرأي العام العربي يُطالب بدور أكبر لجامعة الدور العربية بحيث إنها تعبر عن الأمة العربية أمام العالم بالشكل الذي يجعل للعالم العربي صوتاً دولياً مؤثراً تأثيراً إيجابياً. وبالإضافة لذلك تتطلع الشعوب العربية لجامعة عربية فعالة في تمثيلها والتعبير عنها أمام قادة ورؤساء الدول العربية سواء في اجتماعات القمة أو في الاجتماعات الوزارية.
ثانياً: إن كلمة خادم الحرمين الشريفين استوعبت الفارق الزمني الكبير بين عقد الأربعينيات من القرن العشرين وبين العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين.. فالفارق الزمني الكبير الذي يزيد على السبعين عاماً (1945م سنة تأسيس جامعة الدول العربية والعام 2017م سنة عقد القمة الثامنة والعشرين) تبعه فارق كبير جداً في الظروف العربية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وفي غيرها من المجالات. ففي الوقت الذي كانت هناك دول عربية تعتبر متقدمة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً¡ كان أيضاً هناك دول عربية غير مستقلة وأخرى لا تملك موارد اقتصادية أو مالية أو متواضعة في مستوى التنمية أو منشغلة تماماً بظروفها الداخلية الصعبة.
هذا الوضع العربي السابق اختلف الآن بشكل كبير جداً نتيجة لاختلاف الزمان. فبالإضافة لزيادة عدد الدول العربية الذي يتجاوز العشرين دولةً¡ هناك اختلافات كبيرة جداً في وضع الدول العربية نفسها. ففي الوقت الذي كانت فيه دول تمثل ثقلاً سياسياً واقتصادياً كبيراً¡ تغير الوضع بعد سبعين عاماً إما بتراجع ثقل تلك الدول أو بدخول دول عربية أخرى بحيث أصبحت الأكثر ثقلاً سياسياً واقتصادياً ومالياً وثقافياً. وفي الوقت الذي كانت دول عربية منشغلة تماماً بظروفها الداخلية نتيجة لقلة مواردها المالية أو البشرية¡ أصبحت من أكثر الدول العربية فعاليةً على المستويات السياسية والاقتصادية والمالية والعسكرية والأكثر تنميةً لمواردها البشرية.
فتغير ظروف الزمان تبعه وبشكل واضح تغير في أوضاع الدول العربية على جميع المستويات وفي كل المجالات. هذا التغير الكبير يفترض أن يتبعه أيضاً تغير في آلية العمل العربي والذي تمثله جامعة الدول العربية. لذلك من الأهمية النظر في إعادة هيكلة وإصلاح جامعة الدول العربية إذا ما أراد العالم العربي أن يتقدم ويحظى باحترام العالم. فالعالم العربي يملك دولاً تقدمت كثيراً عما كان عليه الوضع قبل سبعين عاماً لتصبح الآن في مصاف دول العالم سياسياً واقتصادياً ومالياً واستقراراً سياسياً. أما البقاء على الأوضاع السابقة على الرغم من تغير الظروف السياسية الاقتصادية والاجتماعية وغيرها من مجالات فسيكون أثره سلبياً على العمل العربي المشترك.
ثالثاً: إن كلمة خادم الحرمين الشريفين أدركت بأن آلية عمل جامعة الدول العربية لم تمكنّها من تمثيل القضايا العربية بالشكل الذي تتطلع له الشعوب العربية¡ بل كان دورها في بعض القضاياً بعيداً تماماً عن رغبات شعوب وقادة الدول العربية. ويتضح ذلك بشكل مباشر في مسألتين رئيسيتينº ففي المسألة السورية¡ لم نجد لجامعة الدول العربية أي دور رئيسي يساهم في رفع المعاناة عن أبناء الشعب السوري الذي يعاني من تطرف وإرهاب نظام البعث. هذا الابتعاد الكبير عن معاناة أبناء الشعب السوري تبعه أيضاً عدم قيام جامعة الدول العربية بتعيين ممثل أو مندوب للجامعة يساهم في حل الأزمة ويستمع لأبناء الشعب السوري. وهذا ما يجعل الرأي العام العربي يتساءل كثيراً عند مشاهدته لمندوب يمثل الأمم المتحدة بينما لا يرى مندوباً يمثل جامعة الدول العربية. هذا القول ينطبق تماماً على المسألة اليمنية التي تستحق من جامعة الدول العربية اهتماماً يعبر عن احترام للشعب اليمني الذي اختار قيادته السياسية ووقف في مواجهة التدخلات الخارجية¡ أو على أقل تقدير اهتمام يتوازى مع أهمية اليمن الجيواستراتجية للعالم العربي. وكما هو الوضع في سوريا¡ لم تقم جامعة الدول العربية بتسمية مندوب عربي يمثلها في اليمن ويتعرف على مسببات الأزمة ويستمع لأبناء الشعب اليمني. لذلك من الأهمية النظر في آلية عمل جامعة الدول العربية لما فيه خير شعوب الدول العربية.
رابعاً: إن كلمة خادم الحرمين الشريفين تنظر نظرة بعيدة للمستقبل. فوضع جامعة الدول العربية القائم سيُضعِف العمل العربي المشترك أكثر مما هو ضعيف¡ وكذلك سيجعل الرأي العام العربي يفقد ما تبقى من ثقة في جامعة الدول العربية. لذلك فإن العمل السريع لإعادة هيكلة وإصلاح جامعة الدول العربية مُهم جداً لإعادة الثقة فيها¡ وفي الوقت نفسه ليكون هناك أمل في عمل عربي مشترك يرتقي لتطلعات الرأي العام العربي.
وفي الختام من الأهمية القول: إن العالم العربي لديه فرصة تاريخية لبناء مستقبل أكثر ازدهاراً خاصة إذا أدرك أن من بين دُوله دولة عربية لها ولقادتها ثقل سياسي إقليمي ودولي¡ وتملك اقتصاداً متقدماً جعلها إحدى دول مجموعة العشرين لأكبر اقتصاديات العالم¡ ولديها موارد مالية كبيرة وظفتها لتنمية مجتمعها ومكنتها من مساعدة أشقائها العرب والمسلمين¡ واستطاعت بناء قواتها الأمنية والعسكرية مما جعلها نموذجاً لحفظ الأمن الداخلي وقوة في مواجهة العدوان الخارجي والتدخلاتً الإقليمية. فهل بإمكان العالم العربي النظر بعين الواقع ليتمكن من التخطيط السليم للمستقبل. فنماذج النجاح العربية تحسب عربية ويفتخر بها العرب وإن كانت أحادية أو ثنائية.
إضغط هنا لقراءة المزيد...