نستطيع القول بأننا في هذا الوقت الذي شهد انطلاقة عملية "عاصفة الحزم" نشهد وضوحاً كبيراً في المعادلة السياسية في منطقة الشرق الأوسط حيث أصبح للعالم العربي مكانة متقدمة وقيادية سياسياً واقتصادياً ومالياً وأمنياً وعسكرياً..
"إن المملكة تنظر لليمن على أنه العمق الاستراتيجي للأمة العربية¡ وأكبر خطأ قام به العدو أنه يحاول المس في عمق وصلب العرب¡ جمهورية اليمن الشقيقة¡ وذلك ما دعا كل العالم العربي أن يستنفر لما يحدث في اليمن¡ وانقلبت الطاولة في السنة ونصف الأخيرة ليس فقط في اليمن بل في كل العالم العربي والإسلامي".
"لا نستطيع نحن إخوانكم في السعودية ودول الخليج العربي ومصر والسودان والأردن والمغرب أو جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي أن نرى استنفارا ووقفة للرجل اليمني دون أن نكون بجانبه¡ ونحن معكم في كل خطوة إلى آخر يوم في حياتنا¡ كما كنا في السابق¡ وكما سنكون في المستقبل¡ وبحول الله وقدرته وعزيمة الرجال أمثالكم فكل عدو مدحور في اليمن وفي كل مكان آخر¡ وكما ورثوكم أجدادكم وآباءكم تاريخا مشرفا سوف تورثون أبناءكم وأحفادكم تاريخا مشرفا بإذن الله".
ما سبق جزء من كلمة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد وزير الدفاع خلال استقباله كبار مشايخ القبائل اليمنية في 5 أبريل 2017م.
وأهمية هذه الكلمة تكمن في مضامينها وفي كيفية قراءتها. فقد تُقرأ بشكل مباشر¡ أو قد يُقرأ ما بين سطورها. وفي كلا القراءتين هناك مضامين مهمة توضح المعادلة السياسية الحالية والمستقبلية في منطقة الشرق الأوسط. وتتضح هذه المعادلة السياسية مما جاء في الكلمة بالشكل الآتي:
فإذا ما تمت قراءة الكلمة بشكل مباشر¡ فإنه يمكن النظر للمؤشرات التالية:
أولاً: أن المملكة العربية السعودية أعلنت بشكل مباشر أن اليمن هو العمق الاستراتيجي للأمة العربية وليس فقط لدول الخليج العربي. وهذا يعني أن أمن واستقرار العالم العربي مرتبط بشكل أو بآخر بأمن واستقرار دولة اليمن. هذا الإعلان المباشر يعني أن اليمن خط لا يمكن تجاوزه بأي حال من الأحوال.
ثانياً: أن إدراك العالم العربي من شرقه إلى أقصى غربه بأن اليمن يمثل العمق الاستراتيجي للأمة العربية جعله يقف صفاً واحداً في سبيل المحافظة على أمن واستقرار اليمن ودعم حكومته الشرعية.
ثالثاً: أن العالم العربي يدرك بأن رجال اليمن رجال أشداء بإمكانهم الدفاع عن وطنهم وهزيمة عدوهم وبناء دولتهم بالأسلوب الذي يتطلعون له. هذا الإدراك مبني على التاريخ الإيجابي لشعب دولة اليمن الذين لا يرضون إلا بعزة وطنهم وكرامة شعبهم. إلا أن العالم العربي قرر الوقوف صفاً واحداً مع شعب اليمن في مواجهته لعدوه.
أما إذا تمت قراءة ما بين سطور الكلمة¡ فإنه يمكن النظر للمؤشرات التالية:
أولاً: أن العالم العربي لم يعد كما كان في العقود الماضية عندما كانت معظم دوله واقعة تحت الاحتلال الأجنبي أو محدودة الإمكانات الاقتصادية والمالية والبشرية وضعيفة في قدراتها الأمنية والعسكرية. فالعالم العربي في القرن الواحد والعشرين يملك قدرات سياسية وإمكانات اقتصادية ومالية ونسبة كبيرة من موارده البشرية مؤهلة وقدراته الأمنية والعسكرية متقدمة. هذا التقدم في مستوى العالم العربي يجب ألا تجهله الدول الإقليمية.
ثانياً: أن العالم العربي لن يتردد لحظة واحدة بالدفاع عن أراضيه التي تمثل في مجملهما عمقاً استراتيجياً. فإذا كان اليمن يمثل عمقاً استراتيجياً¡ فكذلك كل أجزاء العالم العربي تمثل عمقاً استراتيجياً لا يمكن التنازل عنها. هذا الإدراك لدى الدول العربية هو الذي جعل من مملكة المغرب الواقعة في أقصى الغرب من العالم العربي تشارك في عملية "عاصفة الحزم" التي تمثل انطلاقة لإعادة الأمن والاستقرار والسلام لدولة اليمن.
ثالثاً: أن العالم العربي أصبح أكثر معرفة بأعدائه. ففي الماضي كان معظم الرأي العام العربي يشير للكيان الصهيوني بأنه العدو الأوحد للعالم العربي باحتلاله لأراضي دولة فلسطين¡ أما الآن فإن الرأي العام العربي أصبح يدرك بأن هناك عدوا آخر يسعى للعبث بأمنه واستقراره والذي يتمثل في النظام السياسي الإيراني الذي يسعى لتصدير الفوضى في المنطقة ويتبنى العنصرية والطائفية ويدعم ويمول الجماعات والتنظيمات المتطرفة والإرهابية.
رابعاً: أن الرأي العام العربي والإسلامي أصبح أكثر وعياً ومعرفة بمن يريد مصلحته ممن يستخدمه لتحقيق أهدافه الهدامة. فأحداث المنطقة السياسية والصراعات العسكرية فضحت العُملاء والمُرتزقة الذين يعيشون في الدول العربية ويخدمون أجندة أعداء الأمة العربية. ففي العقود الماضية كان يُغرر بالرأي العام العربي والإسلامي باستخدام الكلمات العاطفية والمؤثرات النفسية كالدفاع عن القدس وفلسطين وغيرها من شعارات دينية وشعبية¡ إلا أن الأحداث السياسية والنزاعات العسكرية فضحت هؤلاء العُملاء والمُرتزقة في جميع الدول العربية. فعلى سبيل المثال¡ كان هناك تيار في دولة لبنان يسمى "حزب الله" يرفع شعار المقاومة¡ إلا أن مشاركته مع نظام البعث في دمشق ومساهمته في قتل وتهجير الشعب السوري وتدمير الدولة السورية جعل الرأي العام العربي يُدرك بأن هذا الحزب الذي رفع شعار المقاومة إنما هو عميل للنظام السياسي الإيراني الذي هو عدو للعالم العربي. كذلك هناك تيار في دولة اليمن يدعى "جماعة الحوثي" استخدمت نفس شعارات العُملاء في دولة لبنان¡ إلا أن إجرامها وإرهابها تجاه اليمنيين وتدميرها للدولة اليمنية جعل الشعب اليمني يدرك بأن هذه الجماعة ما هي إلا مجموعة عُملاء ومُرتزقة للنظام السياسي الإيراني.
خامساً: أن عملية "عاصفة الحزم" قد تكون الأولى ولكنها قد لا تكون الأخيرة. فالعالم العربي لن يتردد في مواجهة عدوه في أي مكان عندما يتعرض أمنه واستقراره للعبث سواءً بالتدخلات الخارجية أو بتصدير الفوضى أو بدعم وتمويل الجماعات والتنظيمات الإرهابية.
وإذا كانت هذه بعض المؤشرات¡ إلا أنه يمكن القول بأن المعادلة السياسية في منطقة الشرق الأوسط لم تكن واضحة أكثر مما هي عليه في هذا العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين. فبعد عقود طويلة من خروج القوى التي احتلت المنطقة وسقوط قوى أخرى واستقلال دول عربية ونشوء أخرى وما تبع ذلك من تنوع في التوجهات السياسية والأفكار الأيديولوجية واختلاف في الرؤى¡ نستطيع القول بأننا في هذا الوقت الذي شهد انطلاقة عملية "عاصفة الحزم" نشهد وضوحاً كبيراً في المعادلة السياسية في منطقة الشرق الأوسط حيث أصبح للعالم العربي مكانة متقدمة وقيادية سياسياً واقتصادياً ومالياً وأمنياً وعسكرياً. هذه المعادلة السياسية الجديدة أثبتتها الأفعال على أرض الواقع وشهد بها العالم وأدركها الإقليم.
إضغط هنا لقراءة المزيد...