أحد أكبر الأخطاء التي يمكن أن يرتكبها أحدنا أن يطلق حكماً عاماً على شعب بعينه¡ أي شعب¡ فقط لاختلاف المواقف السياسية بين حكومته وحكومة هذا الشعب¡ فالمواقف السياسية متغيرة¡ بتغير المصالح والأحداث¡ بل إنها تكون سريعة التغير أحياناً¡ حين ينتهي وقوع خطأ ما باعتذار إحدى الدولتين.
في الماضي كان الأمر يصل في بعض المواقف السياسية إلى أن تختلف القيادتان السياسيتان في دولتين ثم تعود المياه بينهما إلى مجاريها من دون أن يعلم أي من الشعبين¡ ثم يكشف لنا أحد المؤرخين السياسيين أو شهود هذا الخلاف عنه¡ ويبقى بالنسبة لنا واقعة تاريخية عابرة¡ أما اليوم¡ فيحدث العكس تماماً¡ حين تفتر العلاقة بعض الوقت بين قيادتين¡ أو يحدث خلاف فرعي عارض حول موقف سياسي بينهما¡ أو ربما حتى لا يحدث شيء على الإطلاق ثم نتفاجأ بانفجار الأحاديث على شبكات التواصل الاجتماعي عن أزمة عميقة بين قيادتي البلدين يعقبها وابل من السباب المتبادل بين مستخدمي مواقع التواصل من الشعبين¡ تكيل خلالها جموع مستخدمي الشبكات من الشعبين بعضهما لبعض جميع صنوف الإساءات والمهاترات والتجاوزات التي لا سقف لها¡ إلى حد أن الإدارتين السياسيتين تتحركان على نحو يعكس حالة من التوافق من أجل تهدئة الأوضاع وقد أوشكت على الانفجار¡ أو ربما يضطر وزيرا خارجية البلدين إلى الخروج في وسائل الإعلام لتوضيح الموقف وتأكيد أن الأوضاع طبيعية بين القيادتين السياسيتين.
ولا أجد داعياً لسرد وقائع بعينها بهذا الخصوص¡ حتى لا نشخصن الأمور¡ فضلا عن أننا جميعاً شهدنا تلكم الوقائع¡ ويبدو أننا في آتي الأيام سنشهد المزيد منها¡ بعد أن دخلت الشعوب على الخط¡ وأصبح الجميع ينخرطون في الشأن السياسي¡ بعلم¡ وبغير علم¡ وبدراية ومن دون دراية¡ حتى إن كثيرين¡ وربما السواد الأعظم من المتشاتمين في الشأن السياسي¡ لا يعلمون شيئاً عنه¡ والمسألة بالنسبة لهم لا تتجاوز منطق "الفزعة"¡ لكنها "فزعة" في غير موضعها¡ "فزعة" عمياء تضر أكثر مما تنفع¡ بل لا نفع لها على الإطلاق¡ ففوق أن هذا الأداء الجماعي في سب الآخرين¡ حتى إن كانوا هم البادئين¡ يؤزم الأمور إلى حد قد يترك رواسب من الكراهية العميقة بين الشعوب¡ فما أكثر الحوادث التاريخية التي ما زالت تؤصل لحالة من الكراهية بين شعوب متجاورة في العالم¡ حوادث انقضت ورحل المتسببون فيها من الساسة¡ لكنها خلفت عقداً نفسية بين الشعوب¡ وإرثاً من الكراهية يعجزون عن تجاوزه.
إن تعميم المواقف السياسية العارضة لأحد الساسة على شعبه من شأنه أن يجر الشعوب إلى هاوية كراهية سحيقة قد يكون لها في المستقبل ما لا يحمد عقباه¡ وإذا كانت تلك المواقف بين شعوب جيران¡ فإن الموقف يكون أكثر حساسية¡ إذ لا تخلو الشعوب الجيران من روابط إنسانية واجتماعية واقتصادية بل وأمنية تستدعي استقرار حالة من التعايش والتواصل بين الشعبين¡ مهما اختلفت المواقف بين إدارتيهما السياسيتين¡ فالمواقف عابرة¡ وعلاقات الشعوب باقية وعميقة¡ بل إن علاقات الشعوب حين تكون عميقة وقوية¡ تكون حاكمة وضابطة لمواقف السياسيين¡ إذ إنه سيكون من الصعوبة بمكان أن يتجاوزها أي سياسي حين يتخذ قراراً قد يتسبب في تراجع أسهمه عن شعبه إن كان يحمل أي وجه من وجوه الضرر بعلاقة هذا الشعب بشعب صديق أو شقيق.. لذا على كل منا¡ وأخص بالذكر المؤثرين في شبكات التواصل أن يستشعر كل منهم مسؤوليته وأمانته¡ وألا يدفع في خط أي موجة كراهية شعبية فينجرف الناس وراءه¡ فلا خير في الكراهية أياً كانت دوافعها.
إضغط هنا لقراءة المزيد...