الموعظة تعيها أذن واعية¡ أذن تستمع إلى القول فتتبع أحسنه¡ أما آذان الأنعام فلا تكترث إلا بالخطر¡ حين تسمع صوت الراعي يوجهها يمنة ويسرة¡ وتلمح عصاه تشير في اتجاه بعينه¡ فتتبع العصا طلباً للنجاة من الخطر¡ أو طلباً للنجاة من العصا نفسها. ومع أن المولى القدير قال في كتابه العزيز: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) (الإسراء - 70)¡ نجد أن بعضاً منا لا يدركون قدر هذا التكريم الإلهي بصفة البشرية¡ بالإنسانية¡ ويهبطون بأفعالهم إلى ما دون مرتبة الإنسان التي استحق عنها التكريم الإلهي¡ من تلكم الفئة أولئك الذين يفاخرون بالنعم¡ ونصدم بصورهم من حين إلى حين على شبكات التواصل الاجتماعي وهم "يهايطون" بأنعم الله التي رزقنا إياها في هذه البلاد الآمنة التي أنعم الله عليها¡ لنحمده عليها¡ ونتقيه في إنفاقها¡ ونرزق فيها الفقراء والمساكين¡ وما أكثرهم في بلادنا وفي بلاد كثيرة حولنا من المسلمين الذين يموتون جوعاً تحت وطأة فقر الغذاء¡ ثم تجد أحدهم هنا يبسط مائدة تكفي لإطعام مدينة من أجل بضع عشرات من ضيوفه¡ أو يجلس على ذبيحة وضيفه على ذبيحة¡ أو غيرها من المشاهد المخزية التي يندى لها الجبين¡ ويجلب هؤلاء لنا بها سخط الله وعباده.
فما أكثر ما تسيء إلينا هذه المقاطع وتترك عنا صورة بالغة السوء تعمم عنا في المنطقة والعالم¡ حتى إن من لم يزر المملكة أو يخالط شعبها يظن أن هذا حالنا جميعاً¡ وأن المواطن السعودي الموسر يستيقظ من نومه ليغسل قدميه في آنية من الذهب¡ أو يذبح له جمل على الغداء وخروف على العشاء¡ وهذا ظلم فادح لنا جميعاً¡ فما أكثر من أعرف من الأثرياء ومن آتاهم الله من فضله وهم أناس فضلاء يقدرون النعمة ويرعونها حق رعايتها ويطعمون منها البائس والفقير¡ بل قليلون من لمحت عليهم أعراض هذا المرض الاجتماعي الخطير الذي أصبح عبئاً علينا جميعاً¡ اقتصادياً لما يسببه من هدر لموارد بلد يستورد معظم غذائه لشح موارده المائية¡ واجتماعياً سواء باستفزاز الشبان الذين تكفي واحدة من تلك الولائم لإنشاء مشروع تجاري صغير يبدأ به مجموعة منهم حياتهم¡ أو بإحياء هذه النعرات الجاهلية وحينها يكون الخطر أعم حين يندفع قطاع من ضعف النفوس خفاف العقول لتقليدها¡ ولقد مر بنا من قبل كثير من ذلك¡ فما جلب لنا إلا غلاء الأسعار.
لذا لا ينبغي أن نكتفي بالمواعظ على المنابر¡ أو بالحملات التوعوية هنا وهناك¡ فأغلب هؤلاء مرضى نفسياً أو جاهلون أو غليظو الطبع لا تجدي معهم نصيحة¡ فلا يصلحهم إلا عصا ولي الأمر¡ ولعلي أستأنس في هذا المقام بمقولة لصاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز أمير الرياض في المؤتمر الدولي لحفظ النعم قال فيها: "إن من يهايطون بالنعم في المواقع ليسوا بشراً ويجب إيقافهم عند حدهم".
وإنني هنا¡ وأظن أن معي كثيرين¡ نضم صوتنا إلى صوت أمير الرياض¡ في المطالبة بتجريم هؤلاء¡ والضرب بيد من حديد على أيديهم¡ حتى نكون قد أبرأنا ذمتنا إلى الله من هذه النماذج التي ندفع جميعاً من رصيد بلادنا الاقتصادي والإنساني والاجتماعي وربما من استقرارها وأمنها فاتورة "هياطهم" السخيف¡ وحتى يعلم أحدهم قبل أن يجلس منتفخاً أمام الناس مفاخراً بأمواله وولائمه أمام كاميرا الفيديو¡ أنه قد يجد نفسه في اليوم التالي حديث المجالس بما طاله من عقاب¡ مع التشهير بهم بالطبع¡ ولا يقل لي أحدهم لا ينبغي أن نشهر بالناس في أمور مثل هذه¡ فقد شهروا بنا في العالم بأسره¡ ويعلم الله قدر ما ينالنا من كراهية الخلائق بسبب تداول مقاطع مثل هذه في جميع دول العالم¡ لا المنطقة العربية وحسب.




إضغط هنا لقراءة المزيد...