وصلتني رسالة طويلة كتبها كاتبها غيرةً وحماساً (ولا شك) حول قضيّة قيادة المرأة للسيّارة وهو يرى أنّها قضيّة شرعيّة محسومة لا فصال فيها ويؤكد أن لديه ومن يرى رأيه القول الحق فيها وفي آثارها السلبيّة. وأورد صاحب الرسالة أكثر من عشرين نتيجة سلبيّة متوقعة في حال تم السماح للمرأة بقيادة السيارة. وفي ختام الرسالة سألني: ما موقفك¿ فقلت له إذا كانت -عندك- مسألة شرعيّة محسومة فكيف تسألني عن رأيي¿ فردّ مصرّا على معرفة رأيي. فقلت له باختصار: أرى أنّ الأمر فيه سعة وأتمنى أن تكون مسألة قيادة المرأة للسيارة من عدمها مسألة شخصيّة تقرّرها المرأة مع أسرتها في ظل ظروف الأسرة واحتياجاتها وإمكاناتها. لم يعجب صاحب الرسالة هذا الرد فشرّق وغرّب بكلمات غاضبة وهو يؤكد نجاح المؤامرات والمخططات العالميّة. وبالطبع لم يخل ردّه من اتهام النوايا وشراء الذمم ونحو ذلك فأجبته: لا تذهب بعيداً يا أخي فالموضوع أبسط من كل هذه العقد التي نسجناها وأرجو أن تقرأ كل الآراء وستجد أن الموضوع لا يحتاج إلى كل هذا التشنّج.
ومما يبدو لي أنّ بعضنا ما يزال يرى في اختلاف وجهات النظر حول كيفيّة تنظيم شؤون الحياة فرصة للتصفية الفكريّة والاغتيال المعنوي للمختلف رأياً وأحياناً شكلاً ومنطقةً. وربما لا يعلم بعض هؤلاء المخالفين أن الاختلاف في جوهره مصدر إثراء وتنوع للفكرة وللمجتمع في معظم مناشطه وطموحاته. وتأسيساً على ذلك فلابد من التفريق هنا بين (الاختلاف) الإيجابي (والخلاف) المعكّر لصفاء العلاقات بين الناس والمؤدي للاحتراب والتناحر.
وفي مجتمعنا يكتشف المتأمل كيف يبدأ الحوار هادئاً حول قضيّة ما ثم لا يلبث أن يأخذ مناحي أخرى تتبدّل فيها مهارات إيراد الحجج والشواهد إلى التراشق بما يعرفه كل محاور (خصم) عن محاوره الآخر من معلومات وشائعات وتترك القضيّة محل النقاش في ذمة الضمير والتاريخ.
ومن الموضوعات التي دخلت هذه الدوائر المتشابكة قضايا "المرأة" التي ظلمها المجتمع كثيراً حين ترك شؤونها في مزادات التيارات وصراعتها حيث بات كل طرف يسعى باسمها لتحقيق المكاسب وإبرام الصفقات على حساب هدوء المجتمع وحق المرأة ذاتها في العيش الكريم والحياة الهانئة. وأنت إذا انفردت بأحد طرفي الحوار وتحدثت معه بهدوء وجدت أن شحن المجتمع وإثارة الضجّة هو عند بعض الانتهازيين جزء من "عدة الشغل" كضرورة لاستمرار التصدّر سواء باسم التنوير أو حتى برسم المحافظة.
مسارات
قال ومضى:
راحة الضمير ألا تسكن منطقة العدم بين (لا) و(نعم).




إضغط هنا لقراءة المزيد...