ما الذي يدفع بعض الأشخاص إلى ممارسة هذا الكم الهائل من القسوة في التعامل مع الأطفال وصغار السن¡ في تصرفات لست أدري إن كانت جزءًا من تركيبة هذا الشخص النفسية¡ أم أنها شيء مكتسب من تجارب سيئة انعكست على شخصيته فأصبحت سلوكاً لا يمت للرحمة بصلة.
لا أريد أن أخوض في تعداد الأمثلة لهذه التجاوزات التي امتلأت بها ساحات ومواقع التواصل بل يكفي أن أشير إلى المقطع الأخير الذي ظهرت فيه امرأة مجهولة وهي تحاور طفلة بالكثير من العبث بعواطفها وأحاسيسها في حالة تشفي بصغيرة تعاني أمها من المرض.
كيف لإنسان أن يقبل بإثارة مشاعر الخوف والفقد لدى طفلة لم تملك إلا البكاء بحرقة وألم لمواجهة هذا السيل مع الإيذاء اللفظي الذي لا يقل عن الضرب فيما يخلفه من آثار وندوب في هذه الروح البريئة.
حالة من الغضب سادت كل من تابع هذا الفيديو الذي حرصت صاحبته على تصويره ونشره دون مبالاة¡ ولعل في هذه العنجهية ما يساهم في كشف هويتها¡ مع إدراكنا لصعوبة ذلك في مجتمع محافظ يميل إلى التكتم على مثل هذه التصرفات.
حتى كتابة هذا المقال لم يعرف للأسف مصير الطفلة المعنفة ولا المسؤولة عن هذا التعنيف كما أكد لي الزميل خالد أبا الخيل المتحدث باسم وزارة العمل والتنمية الاجتماعية التي بدأت مشكورة في متابعة هذه القضية.
ومع تقديري الكامل لجهود الوزارة في جانبها الاجتماعي إلا أن هناك مئات الحالات التي لم تجد طريقها لوسائل الإعلام ومواقع التواصل وقد تكون أسوأ بكثير مما نشاهده ويصل إلينا من تجاوزات.
وبينما تسعى الجهات الحكومية لملاحقة ومقاضاة مرتكبي هذا النوع من العبث¡ تدعوا الحاجة إلى خلق معيار تقييم نفسي يتم من خلاله الكشف عن آلاف المرضى في مجتمعاتنا¡ ومساعدتهم في التخلص من هذا السواد الذي يسكن قلوبهم.
لا يمكن أن يتركوا طلقاء.. فهم من خلال هذه الروح المليئة بالعقد سيزرعون الحقد والكراهية في الآخرين سواء من خلال التقليد داخل الأسرة¡ أو خلق الدافع للانتقام لاحقاً ولو من شخص آخر لا دخل له أو ذنب.
أصعب ما يمكن التعامل معه في ملاحقة المتسببين في إيذاء الأطفال هم الآباء والأمهات بما لهم من سلطة قانونية وشرعية على أبنائهم¡ ولهذه السلطة تعقيدات ودهاليز ينفذ منها الكثير من القساة قضائيا حتى لو بلغ الأمر الموت تحت التعذيب بذريعة التربية.
كلنا تعرضنا لعنف جسدي أو لفظي ما خلال تنشأتنا ومن ينكر ذلك فهو مكابر¡ أو لعله عاش في مجتمع غير الذي نعرفه¡ لكن أهالينا كانوا حينها لا يعرفون سوى هذه الطريقة للتعامل معنا¡ وكانت قلوبهم رحيمة بنا في عز ما كنا نعده قسوة¡ ومع ذلك نادراً ما كانوا يتجاوزن في استخدام القوة.
في الأخير.. الحرق والأسر والسب والصراخ والتخويف المبالغ فيه ليس حقاً لأي أحد في التعامل مع الأطفال¡ فذلك جريمة ينبغي التعامل معها بحزم حتى لا نجد أنفسنا في مواجهة مع جيل وقد كسرت فيه روح الرحمة والإنسانية.
http://www.alriyadh.com/1593900]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]