تبدو كلمة "الحوار" من أكثر الكلمات تداولاً في أطروحات النخب العربية خاصة في العقود الأخيرة مع رواج ثقافة التطرف والعنف والاحتراب¡ وقد احتكرت النخب العربية مفهوم الحوار وشروطه وأدواته عبر تاريخ طويل لم تكن المشروعات الناجحة فيه كثيرة.
نعم كان واضحاً أن علاقة الجمهور العام مع النخبة في العالم العربي اتسمت بالسلبية وربما انخفاض مستوى الثقة لأسباب كثيرة لعل منها فشل النخبة في استنهاض المجتمع العربي وتأمين انطلاقه الحضاري¡ ولعل من أسباب اضطراب العلاقة والأدوار تشوش هذه النخبة وعدم التزام المسؤولية الحضارية في الأدوار والتطلعات مع شيء من الانتهازية والانتفاع باسم هموم وطموحات الجماهير.
من جهة أخرة مثّلت قضية الوصاية التي تحاول النخبة العربية فرضها على الجماهير دون اعتبار للمتغيرات المعلوماتية والثقافية أكبر تحديات بناء علاقة سليمة داخل المجتمع نفسه وفي علاقته بالآخر¡ وهذه الحالة أنتجت أزمة أفرزتها نظرة النخبة التي ما انفكت ترى أن الجمهور العربي غير مؤهل للمشاركة في صناعة مستقبله واتخاذ القرار فيما يختص بحياته¡
وهذه العلاقة الملتبسة بين النخبة والجمهور ليست جديدة¡ بل لها جذورها في التاريخ القديم والمفهوم الثقافي الذي صنعته النخبة¡ حيث وضع المثقف والنخبوي العربي في مرتبة "الخواص" مقابل "العوام" وميزه بإدارة وتوجيه المتاح من وسائل الاتصال في كل عصر¡ ليس هذا فحسب بل وأعطاه صدارة المجتمع وكيلاً غير مفوض لإدارة شؤونه¡ وقد استسلم الجمهور لهذا المخطط (القدر) الثقافي المرسوم فاستوحش من نفسه ومن الآخر وهو ما تجلى قديماً في الكتابات والروايات الشعبية التي صورت الآخر خصماً متربصاً ينتظر ساعة الانقضاض.
وحين حضرت لاحقاً وسائل الإعلام في حياة الناس كانت النخبة هي المهيمن ولم تعتن كثيراً بحاجة الجمهور للحوار الداخلي مع نفسه والخارجي مع غيره بل زايدت على أوجاعه واستخدمت هذه المنصات للمزيد من التأجيج.
على مستوى علاقة الجمهور العربي بالخارج بقيت الأحداث التاريخية الكبرى والمواقف تنقش في عمق وجدان الشعوب الكثير من الصور والمواقف العدائية المضادة التي تستدعيها الأحوال المتشابهة مع أمم الأرض¡ زاد على ذلك في المنطقة العربية ما قامت به حركة الاستشراق والحروب الصليبية والصراع الديني والمذهبي والطائفي من تأجيج لوقود نار التشفي والتربص التي أنتجت في النهاية هذه المكتبة السياسية والفقهية المحمّلة بالكثير من الرؤى المتأثرة بثقافة المؤامرة والصراع. ومن هنا نشأت الصور المتبادلة بين العربي والآخر والتي كرستها فيما بعد الوسائل الجماهيرية فزادت من تحديات التواصل الحضاري والثقافي مع الآخر المختلف وأثمرت علاقة حذرة تملؤها شواهد الشك والريبة في الآخر وكأن الكل يعيش فقط بانتظار ساعة الحسم والانتقام من غريمه لا الحوار والتسامح وتعزيز المشتركات.
قال ومضى:
هذه ليست قائمة عيوبي بل ما تلتقطه عيونك التي لا ترى حسناً
http://www.alriyadh.com/1635692]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]