ثقافة الواسطة ثقافة منتشرة في المجتمع العربي بشكل عام¡ وهي ثقافة موجودة بشكل واضح في المجتمع السعودي. فالواسطة مهمة جداً بين الأقارب والأصدقاء والمعارف¡ لمساعدتهم والفزعة لهم وتوظيفهم¡ بالرغم من وجود من هم أكثر كفاءة وتميزاً منهم. وأتذكر أنني عندما كنت مشرفاً على قسم الفلك بالجامعة دخل على مكتبي شخص لا أعرفه¡ وقال لي: أنا موظف عندكم بالقسم¡ فقلت له: متى تم تعيينك بالقسم¿ فقال: منذ أسبوع¡ فقلت: ولكن لا علم لي بذلك¡ فقال بكل ثقة: كلمْ إدارة الجامعة. علمت فيما بعد أنه أتى بواسطة أحد المسؤولين بالجامعة¡ دون الرجوع إلى القسم¡ أو معرفة احتياجات القسم. وكان الغرض من توظيفه بالقسم هو أن يتاح له الابتعاث من الجامعة من خلال القسم. تلك كانت أحد مظاهر الفساد الإداري الذي قابلته عندما كنت وكيلاً لكلية العلوم¡ ومشرفاً على القسم بجامعة الملك سعود منذ عدة سنوات سابقة. لكن مظاهر الفساد كثيرة ومتعددة في المجتمع¡ مثل وجود أقارب من الدرجة الأولى والثانية في مناصب ووظائف في بعض الجامعات والمؤسسات¡ أو في القطاع الخاص¡ وقد رصدت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد( نزاهة) قبل حوالي سنتين أكثر من 100 بلاغ عن الواسطة والمحسوبية في المجتمع السعودي¡ وحوالي 1200 من إجمالي البلاغات يتعلق بسوء مستوى تنفيذ الخدمات والمشروعات. وقد عزت نزاهة إلى (البيروقراطية) الإدارية مسؤولية تفشي ثقافة الواسطة والمحسوبية¡ إضافة إلى انعدام أو ضعف الشفافية بين المسؤول والمواطن. وقد وصفت نزاهة ثقافة الواسطة بأنها آفة خطيرة في المجتمع¡ وأشارت نزاهة إلى أن ثقافة الواسطة والمحسوبية قد امتدت آثارها من الفرد والمجتمع إلى إصابة أو تعطيل التنمية بشكل ملموس. وعرفت نزاهة مفهوم ثقافة (الواسطة)بأنه: (طلب المساعدة من شخص ذي نفوذ وحظوة لدى من بيده القرار أو المقدرة على ممارسة السلطة¡ لتحقيق مصلحة معينة بغير حق لشخص لا يستطيع تحقيقها بمفرده). وهناك عدة عوامل أدت إلى انتشار الواسطة في المجتمع السعودي وفي حياتنا عموماً¡ بسبب الكسل والتواكل¡ وبسبب أن فئة من الناس تبحث عن وسطاء ومساعدين لإنجاز أعمالهم بدون الالتزام بالأنظمة والتعليمات التي تؤدي إلى إنهاء إجراءات أعمالهم. كما أن هناك من يؤمن بتخطي الأنظمة واللوائح من خلال أشخاص ذوي حظوة ونفوذ. كما أن الواسطة قد انتشرت في المجتمع نتيجة لعدم أداء بعض الموظفين لأعمالهم¡ والقيام بواجباتهم الوظيفية بأمانة وإخلاص¡ وكذلك نتيجة لإهمال وتقاعس بعض الرؤساء والمرؤوسين في متابعة أداء وظائفهم وأعمالهم بالشكل المطلوب. وهكذا نرى أن الواسطة تكرس مبدأ التمييز في التعامل بين الناس¡ مما يترتب عليه إعاقة مسيرة التنمية والإصلاح الإداري. وتؤكد رؤية المملكة 2030 على سيادة القانون¡ وتوظيف الشخص المناسب في الوظيفة المناسبة¡ مما يؤدي إلى العدل والمساواة من أجل تنمية مستدامة وخدمة لجميع أفراد المجتمع بدون تمييز أو استثناء.
http://www.alriyadh.com/1658914]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]