كانت المرأة الفلسطينية تبكي وهي تحدثني وتقول : ياليتني سميت ابنتي مارغريت
قلت : لماذا ¿
قالت ألا ترى اهتمام العالم بموت مارغريت ¿ لقد انتفض البابا من فراش الموت ليلقي بتصريح يستنكر فيه قتلها . وقامت جامعة الدول العربية باستنكار قتلها وتسميته جريمة في حق الإنسانية , وارعدت الصحافة الغربية والعربية واستنكرت وهبت وثارت وليس من المستبعد أن تخرج مظاهرات مليونية حاشدة من أجلها .
قلت : ولماذا أنت حزينة ألا تستحق هذه المرأة الرائعة كل هذا ¿
قالت : بلى ولكن الذي يحزنني أن ابنتي أيضا كانت فتاة رائعة وأنها كانت أيضا من جنس البشر ومن نفس جنس مارغريت ولكن لم يهتم كل هؤلاء ولا أحد منهم بموتها أو بالأحرى قتلها .
قلت : وكيف ماتت ابنتك ¿
قالت : لقد قتلت ولم تمت , لقد أطلق عليها أحد القناصة اليهود رصاصة أردتها قتيلة وهي في طريقها إلى المدرسة ربما لأن حقيبتها كانت منتفخة أكثر مما تسمح به القوانين الإسرائيلية أو لآن منظر صدارتها المدرسية لم يعجب الجندي الإسرائيلي أو لأي سبب آخر فهم عادة لا يُسألون عن السبب عندما يقتلون . لقد كانت ابنتي تريد أن تصبح صحفية أو مذيعة أو مراسلة لتفضح انتهاكات حقوق البشر والحيوانات والأشجار وكل المخلوقات على أرض فلسطين وكانت تريد أن تكسر الصمت العربي المطبق الذي يخنقنا هنا في فلسطين وكانت تتمنى أن توصل صورنا وصوتنا لكل العالم كما كانت مارغريت تحاول أن تفعل .
قلت : ولكن مارغريت لم تكرم لأن اسمها كان مارغريت ولكن لأن قتلها كان وحشيا وكان غير إنساني وغير لائق .
قالت , وعلى شفتها ابتسامة ساخرة باهتة : وهل كان قتل ابنتي إنسانيا رؤوفا رحيما ¿ هل الذي قتل مارغريت وحش بربري قام بإطلاق الرصاص عليها ومن قتل ابنتي إنسان متحضر يذبح دون ألم ويميت دون مضاعفات أم أنه من سلالة غير سلالات البشر العاديين ¿ هل كان الذي قتل ابنتي يدافع عن أرضه المحتلة ¿ والذي قتل مارغريت جاء من أقصى الأرض ليحتل أرض مارغريت ويشردها وأهلها ¿ هل كانت ابنتي مسلحة عند قتلها وكانت مارغريت عزلاء ¿
قلت , وأنا أعرف أنني أكذب : ربما لم يسمع كل هؤلاء عن وفاة ابنتك ولو سمعوا لتحركوا فعلا .
قالت : ربما لم يسمعوا عن ابنتي بالذات رغم أن الخبر جاء على كل الفضائيات ولكنهم سمعوا ورأوا صور غيرها من البنات والرضيعات والصبيان والنساء والشيوخ والشباب فلماذا لم يتكلموا ¿ ولماذا لم يستنكروا ¿ ولماذا لم ينددوا ¿ لماذا تأخذهم الحمية فجأة إذا مات أحد من ذوي الدم الأزرق ¿ ويصمتون ولا ينبسون ببنت شفة عندما يموت أحدنا ¿ ألا ترى مجزرة الفلوجة ¿ لماذا لم يستنكرها أحد ¿ من يموت فيها ¿ هل هم بشر ¿
قلت : ولكنهم أعلنوا البارحة أنهم سيحاكمون الجندي الذي أطلق الرصاص على الجريح الأعزل في المسجد واعتبروا هذا الفعل أيضا جريمة حرب .
قالت , بجرأة وقليل من الغضب : أنت إما أن تكون غبيا يا بني أو أنك تتغابى , إذا لم يكن احتلال العراق جريمة حرب ولم يكن قتل مائة ألف عراقي جريمة حرب ولم يكن تدمير سامراء جريمة حرب ولم يكن سحل الجرحى في الطرقات جريمة حرب ولم يكن سرقة آثار العراق جريمة حرب ولم يكن تدمير حضارة العراق عن بكرة أبيها جريمة حرب ولم تكن جرائم سجن أبي غريب جريمة حرب ولم تكن سرقة بترول العراق جريمة حرب ولم يكن قتل مليون طفل عراقي خلال الحصار جريمة حرب , فهل كان يجب أن ننتظر المصور الأمريكي والجندي الأمريكي والمحكمة الأمريكية ليحددوا لنا ما هي جريمة الحرب ثم ليظهروا لنا مدى تقدمهم وشفافيتهم وليقوموا بذبح كبش فداء أمامنا ليثبتوا لنا أنهم عادلون ورحماء ¿ ياحسرتي عليك يا بني إذا كان كل الكتاب والصحفيين بمثل غبائك فالمستقبل حقا سيكون مظلما .
طبعا توقفت عن طرح الأسئلة واعتذرت للسيدة الفلسطينية وخرجت من عندها بعد أن قررت عدم الكتابة نهائيا في السياسة بعد هذا اليوم .
[flash=http://www.geocities.com/the_r_boss/prince_charminar.swf]WIDTH=400 HEIGHT=210[/flash]