عندما كنت في معهد اللغة اليابانية في نهاية التسعينات الميلادية كان هنالك مكان يسمى (غرفة الاستشارات) يجلس فيه طالب ياباني من المرحلة الجامعية بين الخامسة والعاشرة مساء حيث يجتمع طلاب المعهد الأجانب من أنحاء الدنيا ليتبادلوا الحديث والنقاشات لساعات وساعات حيث التواصل والحديث مع الآخرين يعد من النشاطات الاجتماعية المهمة لكل فرد¡ وبعد تخرجي ودخولي الجامعة زرت معهد اللغة بعد سنتين وذهبت إلى غرفة الاستشارات لأفاجأ بالجميع جالسين صامتين كأنهم خشب مسندة وأمامهم حواسبهم وقد امتدت أسلاكها إلى مزود خدمة الانترنت¡ والذي كان في بدايات انتشاره في طوكيو وقتها.. كان المكان هو المكان ولكن البشر اختلفوا تماما مع اختلاف الزمن.. والآن أكاد أجزم أن حال أولائك الذين كانوا بحواسيبهم وأسلاك الانترنت في غرفة الاستشارات أهون من الكثيرين منا في زمن الهواتف الذكية¡ حيث غدا من واجبات الضيافة توفير شبكة الواي فاي القوية وشواحن الهواتف الذكية.. مقالة اليوم تحاول أن تناقش كيف سيتواصل البشر في عالم المستقبل¿
في فيلم (الذكاء الاصطناعي) المطروح عام 2001م وإخراج المبدع ستيفن سبيلبرج تطرح قصة الروبوت دايفيد الذي يبدو كالطفل البشري ويستطيع أن يشعر ويحب بحيث تربيه أسرة بشرية كما لو أنه ابن لها ومع تطور الأحداث يضرب كوكب الأرض عصر جليدي جديد ويتم استخراج ديفيد من الثلج وإصلاحه من قبل كائنات فضائية فائقة الذكاء تملك تقنيات خيالية.الشاهد هنا أن تلك الكائنات في الفيلم كانت تتواصل بلا كلمات وتستطيع مشاهدة الذكريات والمشاعر ونقل المعلومات من الآخرين وبين بعضها البعض بوضع اليد على رأس الكائن الآخر فقط في لغة صامتة.. وفي حين قد يبدو ذلك خيالاً علمياً فهنالك مشاريع تطمح لأن تكون لغة الصمت هي لغة التواصل والحوار بين البشر مستقبلا.
في تقرير نشرته صحيفة الديلي ميل بتاريخ 15/12/2017م عرضت أجزاء من محاضرة برايان جونسون الرئيس التنفيذي لشركة Kernel في قمة الويب في برشلونة العام الماضي حيث تطرق للمشاريع البحثية القائمة في شركته والتي تسعى لزرع شرائح في أدمغة البشر بحيث تمكنهم من التخاطر العقلي والتواصل دون الحاجة إلى نطق حرف واحد.. بكلمة أخرى التواصل بلغة الصمت عبر الشرائح المزروعة في الأدمغة.
ليس هذا فحسب¡ بل يتوقع أن يكون بإمكان البشر الوصول لأي معلومة في الانترنت عبر تلك الشرائح المزروعة في الدماغ وحل المسائل المعقدة في لحظات. أما أكثر ما شدني فهو إمكانية حذف ذكريات معينة من الدماغ وربما يقودنا ذلك لصناعة ذكريات وأحداث وهمية في أدمغة بشر المستقبل...
كم من الوقت يفصلنا عن هذه التقنيات¿ يتوقع برايان أن تكون هذه التقنية جاهزة خلال عشرين عاماً فقط. والأدهى والأمر أنها لن تكون مقصورة على الأغنياء بل ستكون في متناول اليد بسعر رخيص لمختلف طبقات المجتمع...
قد نستغرب كثيراً الآن¡ ولكن من يرى حالنا في التواصل بالهواتف الذكية الآن فلا يستغرب أن يتواصل بشر المستقبل بلغة الصمت...




http://www.alriyadh.com/1673284]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]