انتهيت مؤخراً من جولة طافت بي حول العالم «بمعنى الكلمة».. بدأت باتجاه الغرب «من جدة - نيويورك» وانتهت من جهة الشرق «سيرلانكا - المدينة»...
**استغرقت 64 يوماً قضيت نصفها مع أسرتي في أميركا قبل عودتهم للمملكة مع بدء الدراسة.. تجولنا في ست ولايات جميلة - وزرت معهم مواقعي القديمة. فأول مرة أذهب فيها لأميركا كانت في أواخر الثمانينات. أكملت دراسة اللغة الإنجليزية ولكنني لم أكمل دراستي الجامعية لعدم انضمامي للبعثة.. ومع هذا اتفقت مع أسرتي على زيارة جامعتي القديمة «في سانت بول»¡ ورؤية أين كنت أسكن وأعيش قبل 30 عاماً.. كنت حينها طالباً فقيراً أعيش بدولارين في اليوم¡ وعدت إليها اليوم رجلاً ميسوراً استقبلته مديرة الجامعة.. كنت حينها مراهقاً وحيداً ومعزولاً¡ واليوم ترافقني زوجتي الطبيبة وأبناء يقودون بنا السيارة. أمسكت ابنتي مياس بيدي حين دخلنا غرفتي القديمة في سكن الطلاب.. شعرت أن دمعتي ستنزل¡ وشعرت أنا بتجربة غازي القصيبي حين عاد لكاليفورنيا مع أبنائه الكبار...
ورغم أنني زرت أميركا قبلها خمس مرات¡ كنت هذه المرة أملك وقتاً كافياً لملاحظة متغيرات طالت المجتمع الأميركي خلال الثلاثين عاماً الأخيرة «بين 1988 و2018»..
لاحظت مثلاً ارتفاع مستوى السمنة بين أفراده لدرجة أصبح الأكثر بدانة في العالم الغربي.. حجم الوجبات في المطاعم أصبح ضخماً لدرجة كنت أتقاسم مع زوجتي طبقاً واحداً.. لاحظت أيضاً أن ظاهرة المشردين في الشوارع مازالت قائمة - ولكنها لم تعد تثير تعاطف الناس كالماضي..**
لاحظت كذلك أن متاجر كثيرة لم تعد تتعامل بالكاش وتفضل النقود الإلكترونية - كونها أكثر ضماناً ودقة في الحساب...
والأهم من ذلك¡ لاحظت طغيان الجنسيات المهاجرة¡ والأعراق السمراء¡ لدرجة نادراً ما كنا نشاهد «خصوصاً في مراكز المدن» الوجه النمطي للمواطن الأميركي الأشقر.. فرغم أن أميركا بلد مهاجرين حدث ما يشبه الاجتياح المكسيكي للولايات الجنوبية¡ والياباني لجزر هاواي¡ والفيتنامي لأورانج كاونتي¡ والصيني للولايات كافة «لدرجة أصبح الصينيون يشكلون نصف سكان سان فرانسسكو».. حتى ولايتي القديمة منيابلس ذات الأصول الألمانية والإسكندنافية¡ أصبحت تعج بالمهاجرين الصوماليين الذين توافدوا إليها أثناء الحرب الأهلية في التسعينات..**
كل هذا تسبب بتراجع اللغة الإنجليزية في الشوارع والمطارات ومحطات التلفزيون¡ وصعود لغات أخرى أبرزها الإسبانية والصينية - في حين اختفت تقريباً اللغات الأصلية للهنود الحمر!
أيضاً لاحظت أن الناس هناك أصبحوا أكثر إطلاعاً على أحوال العرب والمسلمين.. فقبل ثلاثين عاماً كنت نادراً ما أصادف شخصاً يعرف موقع المملكة¡ أما في رحلتي الأخيرة فسألني الكثيرون عن محمد بن سلمان¡ ومشكلة قطر¡ وأسباب مشاركتنا في حرب اليمن...
الاستنتاج الذي خرجت به «ولاحظته حتى أسرتي» أن أميركا الحقيقية تختلف عن أميركا التي نشاهدها في أفلام هوليود..**
صحيح أن أميركا لم تكن يوماً عرقاً أو لوناً واحداً.. وصحيح أنها بوتقة تختصر شعوب العالم وتستقطب الأجناس كافة.. ولكنني توقعت «بعد 30 عاماً من الغياب» المزيد من مظاهر الانصهار داخل هذه «البوتقة»..**
بمقاييسي الشخصية كانت «مرحلة تغيير» حدثت دون خوف على ما نسميه تراثاً وهوية وطنية.. فأميركا مازالت وطن مهاجرين غير مكبلة بالتاريخ أو ملتزمة بثقافة معينة.. تعيش حالة تغير دائمة¡ الثابت فيها دستور يضمن للجميع المساواة والحرية...
كي تفهم أميركا بشكل أفضل¡ لا تنظر إليها كأمة بل كمساحة جغرافية تستقطب من الأمم والثقافات كافة.. مهاجرون وحالمون ومضطهدون يغيرون فيها¡ ويتغيرون داخلها¡ ويسبقون أوطانهم بثلاثين عاماً على الأقل..
http://www.alriyadh.com/1708688]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]