تناولنا في مقالين سابقين متتاليين بعضاً من الخطوط العريضة لموضوع الذكاء الاصطناعي وأهميته اليوم باعتباره يعد أحد أهم مفرزات مرحلة الابتكارº واستعرضنا فيما بعد بعض الأمثلة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في قطاعات الخدمات الأساسية والاقتصادية وأثرها في خلق بيئات عملية وذات تشغيل وجودة وإنتاج متطورةº وأكدنا على أهمية وجود رؤية لإعداد أجيالنا وقطاعاتنا استراتيجياً لمواجهة الآثار الاقتصادية الناجمة عن انتشار رياح التغيير نتيجة أتمتة كثير من الوظائف وعمليات العمل والمهام المتوقعة قريبا جداًº حيث تشير بعض التوقعات إلى أن 30 % من الوظائف الموجودة اليوم لن تتطلب المساعدة أو التحكم البشري بحلول (2030)¡ في حين يقول آخرون إنه سيكون هناك وظائف جديدة أخرى تحتاج للتدخل البشري لأداء مهامها.
ونستعرض في السطور التالية مجالاً عملياً ومثالاً واقعياً نسبياً لتوظيف وتفوق الذكاء الاصطناعي في الخدمات والاستشارات القانونية المقدمة من قبل مكاتب المحاماة لعملائها في مراجعة الوثائق والاتفاقيات والعقود عبر تحديد وتحليل مواطن المخاطر ومواضع المسؤولية بكفاءة نوعية ودقة متناهية¡ حيث أظهرت دراسة نشرت على منصة (لوجيكس LawGeex) لمراجعة العقود بالذكاء الاصطناعي تفوق هذه البرمجيات التي تستخدم برمجيات الذكاء الاصطناعي من حيث السرعة في المراجعة¡ والتي قاربت ما نسبته (94 %) مقارنة بمتوسط (85 %) لصالح المجهود البشري المبذول من قبل المحامين.
بالطبع نجاح برمجيات الذكاء الاصطناعي في أي مهنة محكوم بوجود الأرضية التي تساهم في عمل هذه التقنيات بسلاسة¡ وأهمها برمجة وتغذية هذه التطبيقات بالمعلومات والبيانات التي يقوم عملها عليها¡ وهي في قطاع المحاماة تعني وجود التقنين والتبويب الفني للتشريعات والأحكام والمبادئ القضائية وتدوين السوابق القضائية وتسلسلهما التاريخي¡ بجانب تحليل نتائج الدراسات العلمية والنقدية المؤثرة في مسار صدور القوانين والأحكام القضائيةº فالذكاء الاصطناعي اليوم له دوره الملموس في تقديم بعض الخدمات القانونية المقدمة من قبل مكاتب المحاماة عبر تطبيقات متنوعة وتتميز فيما بينها من حيث ما تقدمه للمحامين من قدرات¡ نذكر منها ما تقدمه شركة (IBM) عبر برمجيات تسمى بـ (ROSS)¡ والذي أظهر في عدد من الدول تجربة ناجحة في تبسيط أتمتة تقديم الخدمات القانونية الأساسية الأولية كالبحث والدراسات القانونية¡ واستراتيجيات إدارة الدعوى¡ وجمع المعلومات وتقديم الخدمات القانونية الإلكترونية¡ ومراجعة العقودº ولكن باستثناء تلك الدول المتقدمة والتي تتوفر لديها معطيات البنية المعلوماتية القانونية والقضائية¡ نقول إنه ما زال الوقت مبكراً للقول بإمكانية أن يحل الذكاء الاصطناعي في غير تلك الدول محل عمل الخبرة القانونية باعتبارها المهارة الأساسية للمحامي¡ لكن لا شك أن المحامي المتمكن في فهم المبادئ القانونية المستقرة في كثير من التشريعات المقارنة عندما يزاوج ذلك الفهم بمهارات التعاطي التقني والتعامل التكنولوجي عند إدارة هذه البرمجيات الجديدة سيحظى بكسب أكبر وثقة أكثر في سوق المحاماة عند توظيفها بشكل أو آخر لمصلحة عمله وعملائه.
http://www.alriyadh.com/1708628]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]