بعد عقود اكتشف جان جاك روسو الفيلسوف والأديب الفرنسي الكبير أن روحه قد زرعت بين النباتات¡ فأولع بالزراعة ودراسة النبات.. ومثله نيتشه الذي تمنى أنه قد خلق مزارعاً وقضي كل حياته بين الأشجار.. ونيرودا وجد نفسه في أعظم هـواياته وهي جمع القواقع وتصنيف الكائنات البحرية.. وكان نيوتن ينفق أكثر وقت فراغه في دراسة الإنجيل ومطاردة الرموز المخفية فيه.. والسلطان عبدالحميد الثاني الذي حكم إمبراطورية ضخمة لأكثر من ثلاثين سنة.. لم يكن يجد نفسه ويشعر بالسعادة إلا في منجرته وبين أخشابه وكان نجاراً ماهـراً.. أشياء صغيرة وهـوايات طفولية نجد أنفسنا فيها نستوطنها وتستوطن أرواحنا التي لم تغادر سنينها الأولى عندما نمارسها..
هـؤلاء العباقرة والعلماء لم تصدمهم حياة النجومية. ولم تسقطهم نجاحاتهم من حسابات أشيائهم الصغيرة¡ ولم يتوجعوا من خيبات الفشل¡ وينسوا ما يسعدهم ببساطته.. رغم أنهم برعوا في تخصصاتهم إلا أنهم لم يتخلّوا عن أحلامهم الصغيرة التي لا تعني أحداً.. بحثوا عنها واحتضنوها رغم تأخر الوقت أحياناً كما نعتقد لكن الوقت لا يتأخر أبداً..
هي الأشياء الصغيرة التي تصنع الحياة الطبيعية بحسابات الشخص نفسه لا بحسابات الصورة الذهنية المرسومة عند الآخرين والتي بالضرورة لا تتطابق مع حسابات البعض لأن أهميتها تأتي من كينونة تمسك الإنسان بها وبراعته فيها بمردود شخصي في البداية والنهاية..
ابحث عن الأشياء الصغيرة داخلك وستجدها بسرعة.. لا تفكر في الصواب أو الخطأ في التعامل معها.. أو ما سوف يقوله الآخر عنك عندما يكتشف أنك تُمارس تلك الهواية الصغيرة التي تحبها وتعلقت بها منذ صغرك.. وأنت ذلك العالم أو المبدع أو العبقري أو الفنان.. لأنك بممارستها ترفع وتيرة الإحساس داخلك الذي افتقدته في خضم الركض اليومي للعمل.. المذهل أنك ستجد وقتاً كافياً وحقيقياً وليس مسروقاً وأنت تمارسها..
ولكن لماذا تأسرنا هواياتنا التي تعلقنا بها صغاراً ثم أخذنا منها أو اكتشفناها ونحن كبار وتعلقنا بها¿
في العمل الحقيقي أنت داخل كيان متكامل¡ حتى وإن كنت تمتلك ذلك الكيان.. قمة هذا العمل والإبداع فيه وتحمل المسؤولية أولاً وأخيراً.. هذه المسؤولية عبء ثقيل تتعامل معه بأقصى حالات الضغط اليومي والمخاوف المُحتملة.. وعليك أن تحرك بوصلتها في الاتجاه المطلوب فقط.. وما يتطلبه العمل العام أو الخاص.. خياراتك بها محدودة جداً.. وأولوياتها النجاح وتحقيق الهدف أو الأهداف.. بينما في الهوايات أنت غير مسؤول عن أي شيء مما سبق.. لأنك حر.. ممارسة الهواية هي الحرية¡ وهي أن يتحول الشخص داخلها إلى نفسه لا يشبه إلا نفسه فقط ولا علاقة له بالآخر.. لديه ما يسعده ويفرحه¡ يتعامل مع ذاته فقط بهدوء ومتعة وفرح.. ولعل أبسط الهوايات رعاية الزرع في المنزل في أحواض صغيرة¡ تجد نفسك معها تعيش متعة الاخضرار..
ومع اختلافنا كبشر وهو الطبيعي تختلف هواياتنا¡ ولعل أشهر أنواع الهوايات القراءة الممتعة التي تأخذك بالساعات الطويلة ولا تشعر بالوقت.. لأنها هي الحرية المطلقة التي لا حدود لها.. القراءة هواية كل زمان ومكان.. وهناك هوايات يمارسها الآخرون كتربية الطيور والصيد والرسم والسفر والرياضة ومشاهدة الأنشطة الرياضية والأعمال اليدوية وغيرها كثير.. في المحصلة مارس ما تحب ولا تتوقف على حدود العمر أو العمل أو القيمة الاجتماعية¡ فالحياة أسهل كثيراً وأجمل من أن نبددها في التعقيدات..
http://www.alriyadh.com/1708820]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]