في أيام مراهقتي¡ كانت مجلة الشبكة اللبنانية من أهم المجلات التي كنا نسعى للحصول عليها. كانت محظورة التوزيع في المملكة. وكما هي عادة الممنوع يصبح مرغوبا ومحبوبا وعالي القيمة. كانت تصل إلى المملكة مهربة. كنا نشتريها من بسطات الكتب المستعملة بجوار المسجد الجامع (جامع الإمام تركي بن عبدالله) بالرياض. لم يكن يهمنا تاريخ صدور المجلة. ما تحمله من صور يجعلها صالحة لكل زمان ومكان. كانت مجلة فنية. تعتني كثيرا بصور الممثلين¡ ولا سيما الممثلات لسبب لا يخفى على فطنتكم. بعد أن كبرت عقولنا قليلا نسيناها. من الواضح أن المجلة لم تكن تقدم شيئا يستحق القراءة والاهتمام.
تذكرتها اليوم عندما قرأت خبر إغلاق دار الصياد اللبنانية¡ التي تصدر عنها تلك المجلة¡ كنت على يقين أنها ماتت منذ زمن بعيد¡ لكني فوجئت بموتها مع خبر موت دار الصياد اللبنانية التي تصدرها.
تحدث بعض الصحافيين ببكائية حزينة عن دار الصياد¡ واحتجاب جريدة الأنوار (العريقة)¡ التي تصدرها الصياد منذ عام 1953º أي في الستينات من القرن الماضي. وصفها بعض الكتاب بالعراقة. عندما حسبت عمر هذه الجريدة فوجئت أن عمرها أقل من عمر أكثر الصحف السعودية. بلغ عمر جريدة الرياض والجزيرة أكثر من 50 سنة. عمر جريدة عكاظ أكثر من 70 سنة, أما البلاد فقد قاربت الـ 100 سنة.
من المعروف أن كثيرا من الصحف اللبنانية لم تقم على قراء حقيقيين¡ بل إن كثيرا منها لم يتجاوز توزيعها ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف نسخة. تشبه إلى حد كبير القنوات الفضائية التي تهاجم هذه الحكومة وتمدح الحكومة التي تدفع. لا يهمها أن تكسب متابعين أو قراء بمهنية. مضمونة الربح. أقرب شبه لهذه الحالة جريدة القدس العربي التي كانت تصدر في لندن. عدد العاملين فيها أكثر من عدد قرائها.
احتجاب «دار الصياد» في الواقع هو سقوط ثقافة الستينات.
لم أجد في الصحافة اللبنانية أي ميزة نوعية سوى حضور لبنان كدولة متقدمة على أقرانها العرب في فترة الخمسينات والستينات. كانت لبنان أكثر اتصالا بأوروبا وأمريكا بحكم الهجرة. كانت كل الاتصالات السعودية والخليجية مع أوروبا تمر عبر لبنان والمصارف اللبنانية. هذه الميزة النوعية انتهت مع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية.
ثمة زملاء كتاب وصحافيون ما زالوا ينظرون للعالم العربي ولبنان من ثقب الناصرية والبعث.
معظم الصحف اللبنانية في زمن تألقها كانت تمثل الاتجاهات السياسية العربية المتصارعة¡ وتعيش على تمويل هذه الجهات. لا يمكن أن نسميها صحافة بقدر ما نسميها منابر. لم نعرف أن جريدة لبنانية انتشرت في العالم العربي وكسبت قراء بناء على بعدها الصحافي¡ أو استقلت عن تمويل خارجي.
إذا أردنا أن نعرف مصدر الحال الكرب التي وصلنا إليها اليوم¡ فعلينا أن نقرأ التاريخ متطهرين من إيديولوجيا الستينات.




http://www.alriyadh.com/1709181]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]