من حسن حظنا أن الصحف السعودية مازالت تعمل بقيم واستراتيجيات مازالت تعمل بنفس الكفاءة المعتادة.
أعطني عشرة آلاف دولار إذا أردت تظاهرة حاشدة في أي مدينة فقيرة كغزة¡ التعاقد مع متعهد يوزع هذا المبلغ على مئة أو مئتين من الفقراء بعد أن يؤمن لافتات وأعلام وهتافات¡ وفي يوم متفق عليه يخرج هؤلاء الفقراء المستأجرون يهتفون بشتم تلك الدولة أو مديح الدولة الأخرى¡ في نفس الوقت تكون كاميرات قناة الجزيرة في الانتظار. تصور هذه الحشود المتظاهرة¡ بعد ساعة تكون خبرا عاجلا تبثه الجزيرة على قناتها وعلى مواقعها على الإنترنت وتتلقفه قنوات الإخوان المتعددة¡ وفي المساء يجتمع محللو الإخوان وضيوف الجزيرة لمناقشة هذه التظاهرة الشعبية التي عبرت عن غضب الشعب الفلسطيني أو الشعب السوري أو الشعب الياباني حسب العقد الذي أبرمه المتعهد مع حكومة قطر.
كل هذا معتاد ويعالج بالسفه المستمر لكن حضور السوشل ميديا جعل من هذا قيمة¡ فمحتوى الشتائم في الهتافات والشعارات المرفوعة ليس الهدف¡ الهدف هو رد الفعل عند الطرف الذي طالته الشتائم¡ سينبري الوطنيون السذج والمستأجرون من نفس المتعهد لتأجيج الفتنة بسب الشعب الفلسطيني أو الياباني وتعييره فينبري من الطرف الآخر الوطنيون السذج أيضا¡ ونفس المستأجرين من قبل المتعهد ولكن بمعرفات مختلفة ويرددون ويعيرون. وهكذا تحصل قناة الجزيرة مرة أخرى على مادة تبثها¡ لا يتوقف الأمر عند هذا الحد¡ فمع تأجيج هذا الأمر تدخل أسماء مثقفة من الطرفين لها ثقلها الإعلامي أو الثقافي بانفعال صبياني¡ تدخل هذه الفئة في النقاش بشتم بعضهم البعض فتحصل الجزيرة على مادة عظيمة.
هذه الدوامة التي لم تكلف المتعهد أكثر من عشرة آلاف دولار تصبح جزءا من التداعي الأخلاقي الذي يتزايد كل يوم.
الصحافة السعودية مازالت بعيدة عن هذا السخف الخطير¡ لا يمكن أن تقوم صحيفة سعودية مثلا بشتم سكان غزة أو تعيير الشعب الفلسطيني بمحنته¡ لا يستطيع أن يجرها متعهد مأجور إلى هذا المستنقع¡ فالقيم التي تسير عليها هذه الصحفية تقوم على مبادئ أساسية¡ تعرف الصحافة أن الشعب السعودي عشرون مليونا¡ والشعب المصري مئة مليون¡ والشعب اليمني ثلاثون مليونا. لا يمكن لهذا العدد الهائل من البشر أن يكون على رأي واحد¡ خروج مئة أو مئتي رجل في تظاهرة صادقة أو مشبوهة لا يمكن أن تكون شعارات هذه التظاهرة تعبيرا عن الشعب كله.
عندما نتأمل في موقف الصحافة ونقارنه بموقف الناشطين في السوشل ميديا سنعرف الفرق بين الفوضى وبين العمل المهني والأخلاقي والاستراتيجي أيضا.
لا يعبث بعقول القائمين على الصحافة لجان الغرف المظلمة وأجهزة المخابرات المعادية¡ وظيفة الصحافة الحقيقية هي فضح الجالسين في هذه الغرف وتسليط الضوء عليهم.
http://www.alriyadh.com/1765786]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]