كان لا بد للمملكة أن تقف موقفاً حازماً وقوياً تجاه تدخلات إيران السافرة في الدول المجاورة¡ وتصرفاتها غير المسؤولة. ورعايتها للمواقف الراديكالية في المنطقة¡ وتمويلها للمليشيات الإرهابية من أمثال الحوثيين وحزب الله.
لم يكن غريباً أن يوافق خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- على استقبال المملكة لقوات أميركية¡ فالعلاقات السعودية - الأميركية عميقة الجذور¡ وتعود إلى أكثر من ثلاثة وثمانين عاماً¡ وبالتحديد إلى عام 1931 عندما قام الملك عبدالعزيز -رحمه الله- بتوقيع اتفاقية التنقيب عن النفط بين الولايات المتحدة الأميركية والمملكة¡ والتي مثلت بداية العلاقات الحقيقية التي تنامت مع الزمن¡ وتعززت بعد إثني عشر عاماً باللقاء التاريخي بين الرئيس الأميركي روزفلت¡ والملك عبدالعزيز¡ مما شكل نقطة تحول في العلاقات بين البلدين¡ لتنتقل من العلاقات الاقتصادية المرتبطة بالنفط¡ إلى علاقات استراتيجية مشتركة اقتصادياً وفنياً وعسكرياً¡ وليقوم بين المملكة وأميركا تحالف وتعاون استراتيجي في كافة المجالات الحيوية¡ والذي يزداد رسوخاً وعمقاً مع مرور السنواتº وقد سخّـرت المملكة هذه العلاقات لخدمة القضايا العربية والإسلامية¡ انطلاقاً من دورها الرائد في خدمة الإسلام والمسلمينº ولم تتوقف هذه العلاقات الاستراتيجية على الاتفاقيات المحدودة¡ بل تضمنتها خلال السنوات الثمانين الماضية اتفاقيات مشتركة تتضمن التعاون الثنائي بمجالات متعددة¡ بما فيها التعاون العسكري والتدريب.
وتأتي موافقة خادم الحرمين الشريفين على استقبال القوات الأميركية حرصاً من المملكة على رفع العمل المشترك في المجال العسكري¡ وتحقيقاً لأمن المنطقة¡ ودعماً لاستقرارها¡ خاصة في ظل الابتزازات والتهديدات الإيرانية المتكررة وغير الموزونة للملاحة الدولية¡ وما يمكن أن تحدثه من تأثيرات عكسية بعيدة المدى على القانون الدولي¡ خاصة وأن منطقة الخليج تمثل العصب الرئيس للاقتصاد العالمي.
كما أن هذه الموافقة جاءت أيضاً لتنسيق عملية بحرية متعددة الجنسيات في الخليج باسم "الحارس"¡ لتأمين حركة الملاحة في الممرات المائية الرئيسية في المنطقة¡ وضمان حرية الملاحة فيها¡ تعزيزاً للاستقرار البحري¡ وضمان المرور الآمن¡ وخفض التوتر في المياه الدولية في جميع أنحاء الخليج¡ ومضيق هرمز وباب المندب وخليج عمان¡ مما سيمكن دول المنطقة من توفير حراسة لسفنها التي ترفع علمها¡ مع الاستفادة من تعاون الدول المشاركة¡ للتنسيق وتعزيز الوعي بالمجال البحري ومراقبته.
وهذه ليست المرة الأولى التي نشهد فيها هذا التناغم الاستراتيجي بين المملكة وأميركا في شتى المواقف¡ فهل يمكن أن ننسى موقف المملكة من المد الشيوعي أيام الاتحاد السوفيتي¡ ومحاربتها لكل ما يؤدي إلى تبني الرؤية الشيوعية أو الماركسية في البلاد العربية¡ وموقفها من تحرير الكويت¡ والذي استلزم التعاون مع جميع الحلفاء وخاصة الحليف الاستراتيجي الولايات المتحدة الأميركيةº فبعد أن تبينت المملكة أن قرار العراق بضم الكويت في ذلك الوقت لا رجعة فيه¡ تحركت المملكة بقوتها وثقلها السياسي والاقتصادي من أجل حشد قواتها لحماية أراضيها¡ وحماية باقي دول الخليج العربية من احتمال أي اعتداء عراقي¡ فاستضافت على أراضيها قوات التحالف لردع العدوان العراقي¡ ووفرت لهم القاعدة التي انطلقت منها عمليات تحرير الكويت بجانب مشاركة القوات السعودية في تلك العمليات.
وباستقراء لقرار موافقة خادم الحرمين الشريفين على استقبال القوات الأميركية نلمس أن من حق المملكة أن تسعى للمحافظة على تحقيق مصالحها وأمنها في المحيط الخارجي على المدى القريب والبعيد من خلال التعاون مع أكبر قوة دولية في العالم وهي الولايات المتحدة الأميركية¡ فهي وإن كانت ترفض مبدأ اللجوء إلى القوة كأداة من أدوات تنفيذ السياسة إلا أن مسؤوليتها الدينية والأخلاقية تتجاوز في حركتها ومبادراتها ومواقفها النفعية والأنانية وضيق الأفق¡ والمصالح الخاصة¡ مع إيمانها في الوقت نفسه بحق الدفاع عن نفسها من أجل الحفاظ على مصالحها العليا¡ بما يتفق مع الأعراف الإنسانية الصحيحة والقانون الدولي.
فكان لا بد للمملكة أن تقف موقفاً حازماً وقوياً تجاه تدخلات إيران السافرة في الدول المجاورة¡ ورعايتها للمواقف الراديكالية في المنطقة وتصرفاتها غير المسؤولة¡ وتمويلها للمليشيات الإرهابية من أمثال الحوثيين وحزب الله.
وهذا الموقف الحازم والثابت يأتي لكون المملكة رائدة العالم الإسلامي وفيها الحرمان الشريفان¡ وتفخر بخدمتها لملايين المسلمين من كل أنحاء العالم¡ فلن تسمح لملالي طهران بأن يعودوا بالتاريخ إلى العصور المظلمة¡ فلكم عانى العالم من السياسات التسلطية لإيران¡ ومغامراتها غير المحسوبة¡ والتي كان آخرها احتجازها للسفن التجارية في المياه الدولية¡ في تصرف بعيد عن الحكمة¡ ودليل على التهور وعدم التقدير للعواقب الوخيمة التي ستنتج عن هذا التصرف غير المسؤول.
وأخيراً¡ فإن هذه المواقف الثابتة لقيادة المملكة تعود إلى سياستها الحكيمة التي تعتمد على المبادئ الواضحة¡ والمنهج القويم¡ والمرتكزات المبنية على منهج استراتيجي محدد منذ عهد الملك المؤسس¡ ومن جاء بعده من ملوك المملكة¡ حتى العهد الزاهر عهد العزم والحزم¡ عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز.
http://www.alriyadh.com/1767704]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]