وإن أخطر باب للحب هو باب الكتابة¡ وأسوأ نهاياته هي تلك التي تحدث حين تلفظ الكتابة أنفساها الأخيرة!
الأمر يتعلّق هنا بسر عظيم يسكن أصابع الكُتّاب والمَلَكات الأدبية¡ حين يخبو هدير الكلمات المنبعثة من الداخل¡ فهذا يعني أن العلاقة المتأججة بين اثنين قد انتهت¡ نحن هنا لسنا أمام امرأة ورجل عاديين¡ تزوجا لتأسيس عائلة¡ بل أمام كائنين جمعتهما اللغة¡ وفجّرت فيهما ينابيع الحياة..
لا نقصد حتماً تلك العلاقات التي تثمر أطفالاً¡ وتتشابك بواجبات وحقوق¡ وأعباء عائلية¡ وأخرى مادية¡ وتبقى صامدة أمام النّاس حتى وإن كانت مهلهلة من الدّاخل.
نحن نتحدّث عن علاقات تتزاوج فيها الأرواح¡ وهي وإن سادها الكثير من العواصف والطقس الغائم¡ تبقى أكثر متانة من الزيجات التي تنتهي بالطلاق¡ علاقات الروح هذه¡ قد تبقى على قيد الحياة في أتعس ظروفها. هل شاهدتم فيلم "سارقة الكتب"¿ من لم يشاهده سيحبه¡ وقد أُخِذ عن رواية بنفس العنوان للكاتب الأسترالي ماركوس زوساك¡ وقد صوّر بالضبط ما يمكن لكتاب فعله لإبقاء شخص على قيد الأمل حين تعصف الحرب بكل أشكال الحياة من حوله.
أعتقد أن الأدب لا يزال أكثر براءة من الحياة في الواقع¡ لهذا حين نختلي بكتاب نستعيد براءتنا و ننسى التشوهات التي لحقت بنا جرّاء الظروف السيئة التي تكوّن ذلك الواقع..
حتى أن ما يربطنا بالغد¡ ويزرع الأمل في قلوبنا¡ ليس الحياة في حدّ ذاتها¡ بل تتمة الحكاية التي نحن طرفان فيها¡ ونرغب في معرفة تفاصيلها القادمة¡ سنندهش حين نعرف أن المُقْدِمين على إنهاء حياتهم لم تعد تهمهم معرفة التتمّات¡ ولا نهايات حكاياتهم¡ يصبح الحدث اليومي مملاً ومتكرراً بشكل يجعلهم يختصرونه¡ فيضعون نقطة النهاية كيفما اتفق..
في نص قرأته لأحدهم لا يحضرني اسمه الآن يقول: إن "الكتابة قبل أن ننهيها تبقينا في حالة توازن" ولا أعرف إلى أي مدى يمتد صدق عبارته هذه¡ كما لا أدري كيف يرى نهاية حالة الكتابة¡ هل يقرنها بفقدان التوازن¡ أم بخيبة أمل¿ أم أنه يترك النهايات في كنف أصحابها كلٌّ حسب مفعول الكتابة عليه¿
ما أعرفه عن تجربة هو أن نهاية كل نص تضع كاتبه في مواجهة خواء مخيف¡ تماماً مثل نهايات قصص الحب " ففي خضم الكتابة تنمو مشاعر حب غير متوقعة مع فضاءات النص¡ وأشخاصه¡ ويتكون بينهم من الألفة ما يصعب بتره بسهولة¡ يبقى الكاتب عالقاً بوهمه المكتوب¡ ويولد بعد قراءته جيش من المصدقين لذلك الوهم¡ إنّها الأعاجيب التي تصنعها الكتابة.. إنّه الباب السري لفردوس الحب.
http://www.alriyadh.com/1769538]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]