من يطّلع على المجاميع التي تخرج من دائرة الاهتمام بالشعر الشعبي إلى العناية بفنون التراث الشعبي الأخرى يلحظ بأن حضور أصوات المعترضين حضور شبه دائم.
ففي مُقدمة الجزء الأول من كتاب الجهيمان الآخر (أساطير شعبية من قلب جزيرة العرب) يتوقع أن تعترض فئة من القرّاء على صدور كتاب يجمع القصص الخرافية مُتسلحين بالعديد من الحجج¡ فيقول في مقدمته: «هناك جانب جوهري قد يعترض به أحد القراء وهو أن يقول: ما فائدة هذه الأساطير التي معظمها من نسج الخيال¡ والتي كان معظمها لملء فراغ أوقات الأطفال وأشباه الأطفال.. ثم ما هي الفائدة منها في هذا العصر الذي ساد فيه العلم وتحققت فيه المعجزات».
يستبق الجهيمان ردود الفعل¡ وهو الخبير بطريقة تفكير تلك الفئة¡ ليُبيّن القيمة الكبيرة لتدوين الأساطير التي كان تداولها تداولاً شفهياً¡ لكنه يعود بمقدمة الجزء الثاني للرد على اعتراضات أخرى من بينها الاعتراض المتكرّر على «وجود أمور الجنس» في العديد من القصص.
لا يوجد أدنى غرابة في تصريح المؤلف عن توجسه من ردود الفعل على محتوى كتابه وإعلان الحرص التام على كسب رضا القرّاء¡ لكن التوجس يكشف عن وجهه بصورة أوضح لدى بعض جامعي التراث الشعبي¡ ففي مقدمة كتاب (فتافيت من المواقف والطرائف والتنكيت) للباحث القدير الأستاذ عبدالرحمن السويداء يتجلّى لنا قلقه من تلقي بعض النصوص في قوله: «تعد مادة هذا الجزء صفحة من صفحات التراث الشعبي التي تنعكس عليها تفاعلات المجتمع الإيجابية والسلبية.. وأحببت ألا أكتمها بل أنشرها بما يناسب مستوى النشر من الناحية الأدبية والدينية والأخلاقية¡ وإن نزلت بعض المواد إلى هذا المستوى أو تعدت حد الذوق فليس من الضرورة أن تكون صحيحة الحدوث ولكنها تأتي من باب النكتة».
قلق السويداء المضمر نابعٌ من طبيعة النصوص الشعبية التي يُدوّنها¡ فهي نصوص عفوية ومن طبيعتها التمرّد¡ أحياناً¡ على القوانين¡ فإذا وجدها المتلقي كذلك فمن المفترض أن يتعامل معها بجديّة أقل وأن يتلقاها كنكتةٍ هزليةٍ عابرة. وقد انتقده عدد من الباحثين¡ كما نقل هو في مقدمة الجزء الثالث¡ لاختياره عنواناً لايعبّر عن حقيقة المادة التاريخية القيّمة والمرويات الشعبية الجادة التي تضمّنها¡ كما يمكن ملاحظة أن العنوان رغم رشاقته يوحي بأن مادة الكتاب مجرد بقايا صغيرة وهامشية يمكن الاستغناء عنها¡ فالعنوان الذي اختاره يذكّرنا بكلمة «سفاسف» التي تُستخدم لوصف المأثور الشعبي من بعض المعارضين لنشره¡ كما أن اتجاه الباحث يخالف الاتجاه السائد باختيار عناوين «ترويجية» من نوع: «خيار ما يلتقط من شعر النبط» للحاتم¡ و(الكنوز الشعبية) لابن مشعي أو عنوان مجموع السويداء الآخر «دُرر الشعر الشعمي أو الشعبي».
http://www.alriyadh.com/1776944]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]