ادخل لمحل عطور وستجد أنواعاً كثيرة¡ وقد ساعدت التقنيات الحديثة على هذا التنويع¡ وهي من محاسن عصرنا الحديث¡ لكن لا تستهِن بالأسبقين¡ فقد كان لدى الكثير منهم حرص على الرائحة الحسنة تشابه حرصنا أو حتى تفوقه!
عد للماضي¡ عُد إلى أثينا قبل 2500 سنة¡ وستجد الرجال يتنافسون على التعطر –فضلاً عن النساء–¡ حتى إنهم خصصوا عطراً لأماكن مختلفة من الجسم¡ بل حتى أنواع الشعر لها توزيعاتها. يحكي لنا الكتّاب اليونانيون في القرن الخامس قبل الميلاد نبذة من هذا فينصحونك بتعطير ذراعك بالنعناع¡ والصدر بالقرفة أو الزهور¡ وزيت اللوز للأطراف¡ وزيد المردقوش للشعر والحاجب¡ وقد انهمك الشباب في إغراق أجسادهم بالعطر حتى إن الحكومة منعت بيع الزيت العطري للرجال ثم أُلغي القانون. وبعد زوال الحضارة اليونانية خَلَفهم الرومان الذين اتبعوا الاستعطار لدرجات مبالغ فيها¡ منها أن الجندي استُبعِد من الخدمة العسكرية إذا ذهب للمعركة دون أن يتطيب! وبما أن الإمبراطورية الرومانية اكتسحت أراضيَ شاسعة انفتحت شهيتها على أطياب الأراضي الجديدة¡ فمن الشرق عرفوا الزنجبيل والصنوبر والأرْز والميموزا¡ ومن سلفهم اليونان استخلصوا زيوت اليوسفي والليمون والبرتقال.
أسرف الناس ومنهم أباطرة الدولة كالإمبراطور نيرو الذي دفع مبالغ فاحشة لماء الورد وزيت الورد¡ حتى إنه عطّر بغاله بهذه العطور النفيسة. اشمأزّت الكنيسة من هذا الإفراط (وقد كان حكام الرومان لا يزالون وثنيين والنصارى قليلون) فحرّمت العطر على النصارى في القرن الميلادي الثاني¡ ولما أتى عصر الحروب الصليبية التي كان نهْب أراضي المسلمين من أهم أهدافها غير المعلنة رجع الصليبيون بعطور جديدة لبلادهم عرفوها من المسلمين في القرن الحادي عشر خاصة عطر الورد الدمشقي شديد الندرة¡ والأهم العطور الآتية من الحيوانات –شيء لم يخطر على بالهم– كالمسك والعنبر.
هل ترى علبة العطر الصغيرة حولك التي اعتدت على منظرها¿ لو كانت في الماضي لحرّك لها الأباطرة جيوشاً!
http://www.alriyadh.com/1777367]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]