لنجعل حياتنا بعد الستين بداية لحياة جديدة¡ فأنت تعيش مرحلة من مراحل الحياة سيصلها آخرون إذا طال بهم العمر.. فلا تبقَ وحيداً تتأسى على ماضٍ لن يعود¡ أو مستقبل لا تدري ماذا سيحدث فيه..
وأنا أفكر في كتابة هذه المقالة عبرت في ذهني لوحة صغيرة كنت أراها معلقة في مدخل كلية التربية بجامعة جورج واشنطن -أيام دراستي هناك- تحكي اللوحة عن امرأة بلغت السبعين عاماً تقول فيها (لو عاد عمري إلى سبعة عشر عاماً فماذا سيحدث لي¿ وتجيب: سأمارس نفس الأخطاء.. وسأعيش نفس التجارب الفاشلة¡ لن أتغير كثيراً فلكل مرحلة عمرية متعتها وشقاؤها بما تعيشه أنت من تجارب وما ترتكبه من أخطاء.. والعمر ما هو إلا مرحلة يمر بها كل إنسان.. فلا تسألوني هل استفدت من تجاربي¿
نعم لكل مرحلة عمرية متعتها وشقاؤها وظروفها أيضاً¡ ولكن لماذا نتوقف دائماً عند الستين¡ وكأنها مرحلة بين مرحلتين¡ مرحلة الحيوية والطموح والنشاط¡ ومرحلة ثانية هي مرحلة السكون والانتظار¿ هل لكون الستين تعني التوقف عن العمل الرسمي والإحالة للتقاعد في معظم أنظمة الخدمة المدنية¿ أم لأن الستين تعني بداية الترقب للحياة الأخرى¿
تساؤلات قد لا أملك إجابة دقيقة عليها فهي تختلف من شخص لآخر¡ ولكن قطعاً حينما تبلغ الستين سيحدث تغير جذري في حياتك¡ فلقد حان موعد تقاعدك إذا كنت موظفاً.. وإذا كنت متزوجاً ولديك أولاد فلقد أصبحت جداً وغادرك صغارك بعد أن كبروا.. كثيرون ممن كنت تعرفهم ينظرون إليك بآسى وعدم اكتراث¡ فأنت لست على الكرسي الذي كنت تجلس عليه وتقدم خدماتك لهم.. لا أحد يهمه من كنت فيما مضى¡ ولا من تكون الآن¡ فقد جاوزت الستين عاماً¡ والآخرون لم يعودوا بحاجة إلى خدماتك.. عليك أن تبقى وتنتظر لتكتشف كمية الأمراض التي كنت تتجاهلها قبل الستين لتبدأ رحلة أخرى.
هنا تبدأ تنهدات الستين وتأوهاتها.. الشباب قد ولى¡ ولا ينفع الندم على أمور لم تقم بها في حياتك. هل هذه بدايات الشعور بالكآبة بعد أن قاربت رحلة الحياة نهايتها. هؤلاء الذين يفكرون في شريط حياتهم اليومي وكيف انتهى عند الستين¡ ويراجعون حساباتهم معيدين النظر في مسيرة حياتهم بحلوها ومرها مكتشفين بأنهم لم يعيشوا الحياة التي رغبوا فيها¡ هم أصحاب الحال المزاجية المتدنية الذين يبدؤون العيش في عزلة اختيارية بعيداً عن الحياة الاجتماعية التي تعودوا عليها سابقاً.
ولكن في المقابل هناك دراسات عديدة تشير إلى أن أفضل المراحل العمرية للإنسان وأكثرها استقراراً هي ما بين الستين والثمانين عاماً حينما يتخلص الإنسان من هموم العمل ومتاعب الأبناء¡ ويبدأ في تحديد اختياراته بنفسه دون تأثير ضغوط العمل.
فقط مطلوب من كل إنسان أن يعيش مرحلته العمرية كما هي بعيداً عن التفكير فيما مضى.. ولنأخذ مقولة امرأة السبعين عاماً لتكون بوصلة للتعايش والتأقلم مع كل مرحلة عمرية. لا تنسى أنك في عمر الستين أصبحت أكثر نضجاً¡ وأقدر على ضبط عواطفك وانفعالاتك تجاه الآخرين فلماذا يصاحب البعض اليأس من الحياة بمجرد بلوغ الستين¿
حين تبلغ الستين.. عليك أن تبتعد عن الهموم فليست الستين هي النهاية¡ بل ربما تكون البداية لتوجيه اهتمامك لأمور كنت غافلاً عنها بسبب مشاغلك وارتباطاتك العملية¡ وأهمها الاهتمام بنفسك أولاً¡ فراحة بالك اليوم أهم كثيراً من تصحيح أخطاء الآخرين¡ ركز فقط على الجانب المشرق في الناس¡ وقلل من انتقادهم وأكثر من الثناء عليهم.. فأنت لست في مجال التحدي أو الانتصار للنفس. حينما تصل الستين اجعل غايتك أن تكون سعيداً.. ولا تنسَ توثيق علاقاتك الإيمانية بخالقك.
هل من الضروري أن تتوقف حياتنا بعد الستين¿
لماذا ينظر البعض إلى أن التقاعد يعني التوقف عن العطاء¿ لماذا لا ننظر إليه على أنه سنوات خلاصة التجارب.. فالستون لا تعني التقاعد عن الحياة.. بل ربما هي فرصة جديدة لتحقيق طموحات جديدة في مجال مختلف عما كان يعهده الإنسان سابقاً.. لنجعل حياتنا بعد الستين بداية لحياة جديدة فأنت تعيش مرحلة من مراحل الحياة سيصلها آخرون إذا طال بهم العمر.. فلا تبقَ وحيداً تتآسى على ماضٍ لن يعود¡ أو مستقبل لا تدري ماذا سيحدث فيه.. كن دائماً قريباً من الله.. وسترى كيف تتغير حياتك إلى الأفضل بأسرع مما كنت تتوقع.. إنها دعوة للتفاؤل والعيش في ظل الستين وبعد الستين حياة بعيدة عن الانتظار والترقب.
وأخيراً فإن بلادنا اليوم تخوض تحديات مستقبلية للبناء والتجديد¡ فنرى حيوية الشباب وحماسهم ودراساتهم العليا وهم يشاركون بكل حماس في هذه المرحلة الجديدة.. ولكن ماذا لو تم مزج حيوية الشباب وطموحهم بحكمة الكبار وخبراتهم¿ ألن يسهم ذلك في التقليل من أخطائنا في مسيرة التقدم التي يشهدها مجتمعنا¿
هذه دعوة للاستفادة ممن بلغوا الستين وتقاعدوا من وظائفهم للاستعانة بهم في الوظائف الاستشارية والدراسات التي تسند عمليات التغيير التي نراها مع رؤية المملكة 2030¡ فقطعاً هذه الخبرات المتراكمة على مر السنين ستكون ذات فائدة كبرى في مسيرة التغيير التي يقودها بكل اقتدار صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع.
http://www.alriyadh.com/1783630]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]