تريد أن تسد جوعك فتلك حاجة¡ لكن تشتهي وجبة لذيذة معينة فتلك رغبة, وتريد أن تروي عطشك فذلك حاجة¡ ولكن تريد مياهاً معدنية محددة فتلك رغبة..
ما يجري اليوم هو لعبة نفسية يعيشها الشخص حيث إن هناك إيهام الافتقار إلى حاجات غير حقيقية مغلفة برداء الرغبة.. ومع شيوع الهوى الاستهلاكي الذي يغرق الفرد في غياهب المادية¡ وارتباك الذاتية.. فلا يفرق بين حاجاته ولا رغباته.. فيكون الأسوأ بأن تتحول الرغبة إلى حاجة فيصبح أحدهم أسير التوهم الذي يعيق التفكير النقي.
اشتكى أحدهم في مجلس من كثافة ما يدفعه شهرياً كمصروفات وبالغ في التذمر.. استفهمت عن تفاصيل فواتيره وجدته يدفع لرغبات أكثر من حاجات¡ وعلى كماليات أكثر من ضروريات فهو ينفق على تعليم عياله في مدارس مكلفة جداً رغبة في المستوى الاجتماعي¡ ويختار أعلى باقة اشتراك في الإنترنت ليكون مفتوحاً¡ وهو يملك سيارة فخمة مع أنه مستأجر "يتلكك" في دفع الإيجار.
أعلم أن هناك الكثير مثله ممن سقطوا في فتنة الاستهلاك والهدر¡ ارتبك تفكيرهم بالخلط بين الحاجة والرغبة والهوى.. فالمدارس المجانية متوفرة¡ وباقات اشتراكات النت متعددة وفيها المنخفض¡ وشمة الهوى يستطيع ترك تكاليفها لما هو أهم¡ والأكل في المطعم الفاخر ليس بضرورة يستطيع الاستغناء عنه.
هنا ينتفض أحدهم يريد أن يقلب معايير الرغبة والكماليات إلى حاجات وضروريات¡ لأن وعيه تم برمجته على اختلال الفهم بين الحاجة والرغبة¡ فظن أن شمة الهوى بالخارج كل مرة ضرورة¡ وأن حمل أفخم الأجهزة وأثمنها حاجة مثل ذلك لن تقنعه لأنه متوغل في أعماق قناعاته الخاطئة.
التوازن النفسي لدى أي شخص يجعله يتفهم أن بواعث الحاجة تنطلق من الواقع وتتطلب إشباعاً وسداً¡ أما الكمالية والرغبة فتتعلق بتوليد دوافع خادعة لطلب أمور غير واقعية.. لذلك كان منطق الإعلان هو دفع الناس للتحول من حالة الحاجة إلى حالة الرغبة فالاستهلاك..
واليوم كثير من الناس درّب ذاته على أن يرغب أكثر من أن يحتاج فأدمن ذلك وغدت الرغبة هي المعيار والدافع.. من هنا يتأكد الخلل في العلاقة المنطقية بين المشكلة "توهم الرغبة كحاجة" وحلها بسبب ترسب القناعات الهوائية التي تتسق مع إرضاء الذات.
ويبقى القول: نحن نقدم أنفسنا ضحايا لكل مسوق¡ ومعلن بالاستجابة له مباشرة بسبب تكويننا المرتبك الذي سمح لهم بالسيطرة على عقولنا وإيهامنا بأن ما نرغبه هو الحاجة¡ وأن الكماليات هي ضرورة.. فضاعت أولوياتنا, وتاهت تقديراتنا فأسرفنا ثم خسرنا¡ ولم نكن بين ذلك قواماً..
http://www.alriyadh.com/1783631]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]