البشرية بعمومها وجماعاتها وأفرادها يجب أن تقف صفًّا واحدًا لصد هذا الداء الفتاك الذي تطور وترقى في أساليبه حتى أصبح ملموساً في كثير من وسائل التواصل والقنوات الفضائية¡ وهو أكثر من ذلك في مخاطبات الناس بعضها لبعض ولا سيما في منطقتنا العربية..
لم يكن إبليس إمامًا لأتباعه في كفرهم وحسب بل أسس بدايات الانحرافات والأهواء والشهوات ورسم طريق الغوايات¡ فما من اعوجاج ولا نتوء في سلوكيات البشر إلا وإبليس له النسبة الأعلى في براءة اختراعها وجدولة إيقاعها¡ وكان "للعنصرية" النصيب الأكبر في تكبره وجحوده¡ وقد أسس قاعدتها التي تتوارثها صدور أتباعه¡ وتتلقفها ألسنة أشياعه (أنا خير منه) وكان له في نطقها والتحجج بها حساباته المغلوطة المبنية على اعتبار الذات واحتقار ذوي الفضل والسبق وإن كان تفضيلهم هبة إلهية تعجز عن اكتسابها قدرات المجتهدين¡ (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم)¡ فآدم عليه السلام خلق من تراب¡ وإنما أوتي إبليس في باب العنصرية من سوء مقارنته¡ وعجز إدراكه لعمق الحدث¡ ومآلات الأمور¡ فقال (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) فكانت بذرة العنصرية الأولى التي يعبر عنها ذووها بعبارات قد لا تتعرض "للطين والنار" ولكنها لم تزل متشبثة بـ "أنا" و"نحن" فتارة بتلبس ادعاء الأحقية في فضل من فضائل الله¡ أو حتى في ميزة من مميزات الدنيا¡ فيظن أنه أحق من فلان بكثرة مال¡ أو بجاه أو بشرف¡ ويحمله ظنه هذا على التعدي بكل الوسائل المباحة والممنوعة على انتزاع الحق الموهوم¡ ثم الأسوأ من هذا هو سلوك مسلك احتقار صاحب الفضل والسبق بالهمز واللمز والسباب والشتم والتشويه¡ وما ذاك إلا تشفيّاً ألقاه إبليس في صدره ليضمن استمرار ركن من أركان كفره¡ ومحفزٍ من محفزات قبول نهيه وأمره¡ وما زالت هذه النعرة التي أوردته المهالك¡ يتبجح بها كل مغرور وهالك¡ ولم تؤثر فيهم آيات التنزيل (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)¡ وفي الحديث "إن الله عز وجل خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض¡ فجاء بنو آدم على قدر الأرض. جاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك¡ والخبيث¡ والطيب والسهل¡ والحزن وبين ذلك".
وإن مما يُستحى منه هو الحديث عن "العنصرية" في القرن الحادي والعشرين¡ حيث يتجه العالم إلى طي صفحة "الفصل العنصري" بين الشعوب¡ الذي على أساسه قامت الحروب وانتهكت الأعراض¡ وسلبت الأموال¡ فيحاول العالم تعويض الصفحات السوداء التي مرت بها البشرية¡ وتنحو البشرية إلى المنحى الذي لا يصح غيره "يا أيها الناس¡ ألا إن ربكم واحد¡ وإن أباكم واحد¡ ألا لا فضل لعربي على عجمي¡ ولا لعجمي على عربي¡ ولا أحمر على أسود¡ ولا أسود على أحمر¡ إلا بالتقوى"¡ فالبشرية بعمومها وجماعاتها وأفرادها يجب أن تقف صفًّا واحدًا لصد هذا الداء الفتاك الذي تطور وترقى في أساليبه حتى أصبح ملموساً في كثير من وسائل التواصل والقنوات الفضائية وهو أكثر من ذلك في مخاطبات الناس بعضها لبعض ولا سيما في منطقتنا العربية حيث ارتكزت تركيبات المجتمعات على القبيلة وهو من وجه تركيب ممدوح لأنه يحافظ به على كثير من تقاليد العرب التي امتدحها الإسلام¡ ولكن مع ذلك فما زال بعض من يجهل تعاليم دينه¡ ينساق خلف دعاوى الجاهلية التي ربما لا تترك¡ وفي الحديث أيضاً "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب¡ والطعن في الأنساب... الحديث" هذا وإن كان لا يناقشه كثير ممن وجب عليهم مناقشته وطرح العظات لتقليله والتنفير عنه إلا أنه في كثير من الأحوال وعند كثير من الجهال معيار للمعاملة الدنيوية في المصاهرة والمتاجرة والمصاحبة والمناصرة ويجاهرون ويفخرون بذلك في وسائل العصر التي تنطق بلسان حالها أن لا تآلف ولا تجانس بين الجهالات والرقميات. هذا¡ والله من وراء القصد.
http://www.alriyadh.com/1792031]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]