إنّ معيار اختيار المشاركين في بعض البرامج هو تشجيع أحد الأندية الجماهيرية¡ والقدرة على المناكفة والخروج عن النص بحثاً عن الإثارة¡ وليس مؤهلاتهم وخبراتهم وثقافتهم¡ ولذلك يتحول الحوار إلى مباراة عنيفة يديرها أحياناً حكم ضعيف أو حكم يسعى لهذه الإثارة..
يتلقى الطلاب في الجامعة دروساً عن الموضوعية ومهارات الاتصال¡ وأدبيات الحوار¡ كلّف أحد الأساتذة الطلاب بإعداد دراسة عن هذا الموضوع¡ أحد الطلاب المحبين لكرة القدم قرر أن يكتب عن الإعلام الرياضي بشكل عام¡ وعن الحوار الرياضي التلفزيوني بشكل خاص¡ وأن يطبق ما درسه على هذا الموضوع خاصة أنه من محبي كرة القدم وينبذ التعصب الرياضي.
درس في الجامعة أن الحوار الناجح يتطلب توفر عوامل منها: إدارة الحوار¡ وتخصص المشاركين¡ والإنصات¡ والموضوعية¡ وضوح أهداف الحوار¡ والالتزام بأدبيات الحوار¡ والمصداقية¡ والقدرة اللغوية¡ وترتيب الأفكار¡ والسيطرة على الانفعالات¡ وعدم التعالي على الآخرين.
اختار الطالب أن يتابع البرامج الرياضية الحوارية التلفزيونية بشكل يومي لمدة شهر¡ خلال هذه المدة كان يتابع بدقة ويسجل الملاحظات وفي ذهنه ما درسه في الجامعة¡ وجد أن فكرة بعض هذه البرامج تقوم على استضافة عدد من الإعلاميين لهم ميول لأندية معينة وخاصة الأندية ذات الشعبية الكبيرة¡ يشارك هذا الإعلامي (المشجع) وكأنه ممثل للنادي الذي يميل إليه¡ وبالتالي يفقد استقلالية الرأي ويصبح أسيراً لميوله إلى درجة التعصب للرأي¡ حتى لو اكتشف بالحقائق أن رأيه غير صحيح¡ هذا يعني أن تشكيل مجموعة النقاش من الأساس مبني على مبدأ غير مهني ويعطي الانطباع بأن البرنامج الحواري طابعه تجاري¡ ولذلك يتيح المجال لنوع من الإثارة التي تتطور إلى مناكفة تصل إلى مستوى التعصب¡ يحصل هذا اعتقاداً من إدارة البرنامج بأن هذا النوع من الطرح هو ما يطلبه المشاهدون¡ هذا التشكيل لمجموعة النقاش يعني أيضاً أن معيار اختيار المشاركين في بعض البرامج هو تشجيع أحد الأندية الجماهيرية والقدرة على المناكفة والخروج عن النص بحثاً عن الإثارة¡ وليس مؤهلاتهم وخبراتهم وثقافتهم¡ ولذلك يتحول الحوار إلى مباراة عنيفة يديرها أحياناً حكم ضعيف أو حكم يسعى لهذه الإثارة. المشكلة كما يلاحظ الطالب أن هذه الإثارة تصل إلى درجة تعصب تمتد آثاره السلبية إلى جيل الشباب.
خرج الطالب في دراسته بتلك الانطباعات¡ وسجل على بعض البرامج الحوارية الملاحظات التالية:
آراء المشاركين في الحوار خاضعة لميولهم¡ ولذلك يتكرر التناقض بين قضية وأخرى.
طرح قضايا سطحية¡ وطرح سطحي لقضايا مهمة.
المقاطعة وتحدث الجميع في وقت واحد.
رفع الصوت إلى درجة الصراخ كوسيلة للانتصار في النقاش.
استخدام لغة لا تنم عن الاحترام.
ضعف إدارة الحوار.
السهولة في إنكار الحقائق والتاريخ.
الانفعال لدرجة تبادل الاتهامات¡ الشتائم لا تتوقف إلا بفاصل.
الخلط بين الرأي والمعلومة والخبر.
البحث عن الانتصار في المناكفات وليس عن الحقيقة.
عدم تحديد وقت للمتحدث.
غياب المهنية.
غياب التخصص.
بعد مقارنة الطالب ما درسه عن عوامل ومقومات الحوار الناجح مع ما شاهده في (بعض) البرامج الحوارية الرياضية اكتشف الفجوة الكبيرة بين هذه وتلك¡ وأدرك أن ما تطرحه هذه البرامج وأساليب طرحها تساهم في نشر التعصب الرياضي¡ أما المقالات الصحفية الرياضية التي قرأها¡ فقد وجد بعضها أيضاً بعيدة عن المهنية¡ وتكاد تتحول إلى صحف حائطية للأندية.
اقترح الطالب في توصيات دراسته أهمية إعادة النظر في فكرة هذه البرامج ومحتوياتها وأساليبها¡ وضرورة وضع معايير قوية للمشاركة فيها¡ واستقطاب كفاءات جديدة من الجيل الجديد تتوفر فيها الشروط الموضوعية للإثراء والمساهمة في تطوير الفكر الرياضي بما يتفق مع مشروع التطوير الشامل في المملكة¡ واقترح الطالب عقد اجتماع يضم وزارة الإعلام ووزارة الثقافة وهيئة الرياضة ومركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني لمناقشة الوضع الراهن للإعلام الرياضي وسبل تطويره.
وكتب الطالب لأستاذه في ورقة مستقلة أنه قرر - بسبب التعصب الرياضي - اعتزال متابعة كرة القدم حتى يتم تطوير الإعلام الرياضي إلى المستوى الذي وصلت إليه المملكة في المجالات كافة.
http://www.alriyadh.com/1795078]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]