يعترف المؤلف أن ما كتبه سيكون محل أخذ ورد¡ ولن ينجو من مبضع الناقد الثاقب والباحث الجاد¡ لكنه يأمل أن يكون لما أورد من هذه الأطروحات أثر الصدمة على الوعي للقارئ العربي والمسلم¡ فلا شيء كالمصارحة والمكاشفة بلا خوف أو تردد
العنوان هو لكتاب الدكتور علي بن راشد النعيمي من الإمارات العربية المتحدة يتحدث فيه عن تجربة ثرية بدأت من موطنه الإمارات إلى عمق الغرب الأميركي المحافظ في جامعة بورتلاند في ولاية أريجون لدراسة البكالوريوس والماجستير¡ ثم أكمل الدكتوراه في جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض¡ وقد تمكن تنظيم الإخوان المسلمين من استقطابه ليس في الرياض¡ ولكن في أميركا وفي المرحلة الجامعية حيث التيارات المتصارعة واندفاع الشباب وحماسه¡ وفي هذه الأثناء تعرّف على جماعتين أخريين هما السلفيون وجماعة التبليغ¡ ليصله التحذير من قيادة الإخوان في أميركا بعدم التعاون معهم وتحذير الشباب منهم¡ حينها أدرك مدى فرقة المسلمين وتشتتهم فاختار أن يكون مستقلاً في تفكيره رافضاً وصاية الآخرين على عقله وإرادته وقناعاته.
كل ذلك جعله يؤمن بأن الحل يتمثّل في الفكر الحر¡ والعيش في ظل الدولة الوطنية¡ دولة القانون والحقوق والواجبات¡ دولة تخدم مواطنيها وتحقق طموحاتهم وتتيح لهم الفرص بالتساوي بصرف النظر عن أي اعتبارات مذهبية أو عرقية أو أي اعتبارات أخرى¡ فالتعددية هي مصدر قوتها¡ والتعايش هو السائد بين كل من يعيش داخل حدودها¡ وجميع الفرص والمناصب متاحة للجميع من دون تمييز¡ في الدولة الوطنية يكون الوطن بحدوده ودستوره وأنظمته مظلة الجميع وبيتهم الكبير.
وتحدث عن الدولة القومية فذكر أنها قامت في أوروبا في القرن التاسع عشر على أنقاض دويلات إقطاعية¡ أو دينية نتج عنها حروب أهلية امتد بعضها ثلاثين عاماً بين الكاثوليك والبرتستانت¡ ثم انتقلت الدولة القومية إلى العالم الثالث حيث أسيء تطبيقها¡ وخاصة في العالم العربي حيث قامت الحروب الأهلية بين القومية العربية¡ وغيرها من القوميات¡ وخصوصاً في العراق وسوريا مع الأكراد وفي السودان مع الأفارقة¡ وقد تجاوزت أوروبا وأميركا وأكثر الدول في العصر الحديث الدولة القومية إلى الدولة الوطنية التي تضم وتحترم جميع القوميات والأديان.
ثم يؤكد المؤلف أن الدولة الوطنية هي ضد الدولة الطائفية لأنها تقر المساواة الكاملة بين المواطنين¡ وتحييد جميع أشكال التمييز بينهم¡ فالجميع في هذه الدولة متساوون في الحقوق والواجبات والفرص¡ وهذا هو ما يضمن استقرار الدول ويمنع الحروب الأهلية الداخلية¡ أو التدخلات الخارجية¡ فلا يوجد ولاء لمواطن خارج دولته سواء بسبب المذهب أو المرجع الطائفي أو الولاء الحزبي¡ لأن ذلك يعني خيانة الدولة ونظامها ودستورها¡ الدولة الوطنية هي ما جعل الولايات المتحدة الأميركية بولاياتها الخمسين وأعراقها المختلفة تعيش في أمن واستقرار وازدهار ومثلها أوروبا الغربية وأستراليا.
كما تحدث المؤلف عن التاريخ وكيف يجب أن نقرأه¡ وأنه مسألة جدلية قديمة متجددة وتبقى بين أخذ ورد¡ بين من يزعمون احتكاره وبين من يدعون الانتماء إليه¡ ومن يجعلونه منطلقاً لتأويل الحاضر واستشراف المستقبل¡ مع أن التاريخ ملك الجميع والكل يملك الحق المتساوي في قراءته وفهمه وتفسيره من دون إقصاء أو استعلاء أو احتكار أو وصاية¡ ومن يريد أن يفهم التاريخ فعليه أن ينظر إلى واقعنا فهو تاريخ المستقبل كما سيراه أبناؤنا وأحفادنا¡ فهل نحن متفقون في كل آرائنا وأفكارنا وأعمالنا¡ ألا يوجد متناقضات¿ هل تسجل كل أحداثنا بواقعية وصدق وحيادية¿ أم أن كلُّ يسجل الوقائع حسب وجهة نظره وانتمائه وانحيازه ومصالحه¿
وفي الختام يعترف المؤلف أن ما كتبه سيكون محل أخذ ورد¡ ولن ينجو من مبضع الناقد الثاقب والباحث الجاد¡ لكنه يأمل أن يكون لما أورد من هذه الأطروحات أثر الصدمة على الوعي للقارئ العربي والمسلم¡ فلا شيء كالمصارحة والمكاشفة بلا خوف أو تردد¡ فالعالم الإسلامي أمام خيار وجودي في أن يكون أو لا يكون¡ وعليه أن يدرك ما يمكن تحقيقه من رفاهية وتقدم وازدهار¡ واللحاق بركب الحضارة الإنسانية تمهيداً لبناء المستقبل الواعد لأبنائنا وأحفادنا.
هذا الكتاب جدير بالقراءة والتأمل من قبل الباحثين والدارسين وصناع القرار وواضعي المناهج¡ ولم أستطع أن أنقل على هذه العجالة سوى جزء بسيط من محتوياته الكثيرة وخصوصاً موقفه من التراث والأحزاب الإسلاموية ونشأة الإخوان وخطرهم بشكل خاص¡ ثم يختمه بضرورة إصلاح التعليم أساس بناء الإنسان وقوة الأوطان.




http://www.alriyadh.com/1798074]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]