من الذي أدخل الفرس إلى اليمن¿ ومن الذي باع وأدخل تركيا إلى ليبيا¿ من هو العربي الصنديد الذي تسلم سلاحاً فارسياً ليضرب به بيت الله الحرام¿ أي عروبة يتشدق بها هؤلاء¿ وبأي ألسنة ينطقون وهم يرون أقدام الأجنبي تطأ أرضهم ونساءهم تُسبى..¿
سوق رائجة وبضاعة مزجاة¡ وتجار جدد¡ ووطن على قارعة الطريق لمن يدفع أكثر¡ ولمن يأت بوعد حسن! وعالم جديد بنكهة الخيانة في ثوب المصالح الوجه الآخر للعملة.
المصالح في هذا الزمن تُنطق بحرية وبدون خجل أو مواربة وكأنه بات مصطلحاً فلسفياً ليس لدمغ الحق بالباطل فحسب وإنما ركوب الأمواج لبلوغ المآرب مهما كان الثمن.
وفي القديم كان أجدادنا يطلقون عليه المعقب أي الذي ينجز سريعاً ويعقب وراء ما هو غير منجز ثم يسعى لإنجازه¡ هذا فيما يتصف بالأمور الحياتية وهو الآن أصبح الابن غير الشرعي وغير الشريف لتسليك أمور السياسة بمقابلات مادية وعينية ومثوبات تتعدى أعلام الدول¡ ونحن نعرف هؤلاء بيننا! لا يندى جبينهم بقدر ما تعلو هاماتهم أغصان الغار في المحافل الدولية! فالآن أصبح هذا العمل على المدرج السياسي شفافاً واضحاً مُنتزَع القناع¡ في أوج عصره فأصبحت علامته المسجلة (المصالح تتصالح)!
هذا العمل الرخيص الغالي¡ رخيص لأنه ضد الرجولة والفحولة والنخوة والشيمة وقل ما تشاء¡ وغالٍ لأن مكافأته باهظة الأثمان وبضاعته الأوطان وما أمر من أن تطرح وطنك للمزايدة¡ ولغته للامتهان¡ وعروبتك تسيل على عتبات مرو وأصفهان وخرسان¡ والأستانة واسطنبول.. فرس¡ وروم¡ وترك¡ والآتي أدهى.. كان في الماضي القريب من الأعمال التي تتم في السر ومن دون علن ذلك لأنه عمل منافٍ للأخلاق وللشيم العربية كما أسلفنا¡ أما الآن فلا يلبس رداء الشفافية والمزايدة فحسب¡ وإنما أصبح يخلع على صاحبه بردة البطولة والشرف!
لقد تطورت الخيانة حتى وصلت إلى مفهوم تصالح المصالح¡ والتآمر على ابن العم والأخ والصهر وكل ذي رابطة دم¡ ولغة وعرق ونسب وعصب تقتات على تراب الوطن الذي لا غيره مستقر¡ ولا غيره حاضن¡ ولا صفة لمن انتزع منه وهذا أمر مسلم به¡ ولكن منذ أن عرف مصطلح القومية طريقه لبلدان الوطن العربي في أوائل الستينات حتى قابله مصطلح آخر أوسع وأشمل وأرحب وهو مصطلح الأمة¡ فبالرغم من وحدة الإنسانية والدين والسمات المشتركة بين أفراد الأمة إلا أنه انتزع سمة المواطنة والوطن الأم في قلوب هؤلاء فبات الوطن حفنة من تراب في أفواه هؤلاء كما صرح بذلك مرشد الإخوان مهدي عاكفº كما أنه قال في مقام آخر: إن الأندونيسي المسلم أحب إلي من العربي المسيحي.
هذه أيديولوجيا مهمة للغاية نتجاهلها¡ وهي تنمو وتسري في العلن¡ وفي السر وفي صالات اتخاذ القرار فبات بيع الوطن أمراً هيناً فهو من وجهة نظرهم حفنة تراب ليس إلا.
على الجانب الآخر نجد أن العروبية بأيديولوجيتها المستفيضة تجعل الأرض عرضاًº أي الأرض هي شرف الرجال والرجال هنا كل من ترجل على قدمين. فكيف يستقيم الأمر وكيف يعيش بين العرب من خان وباع وارتدى بردة البطل المحارب الصنديد وهو خائن باع دينه وعرضه ونساءه وسماءه وأرضه أمام بريق السلطة والمال.
من الذي أدخل الفرس إلى اليمن¿ ومن الذي باع وأدخل تركيا إلى ليبيا¿ من هو العربي الصنديد الذي استلم سلاحاً فارسياً ليضرب به بيت الله الحرام¿ أي عروبة يتشدق بها هؤلاء¿ وبأي ألسنة ينطقون وهم يرون أقدام الأجنبي تطأ أرضهم ونساءهم تُسبى.
يبدو أن هذا مقدر على أمتنا العربية منذ عمق التاريخ¡ فلم نجد أنها هزمت لضعف أو وهن أو جهل أو سوء تقدير على مدار تاريخها بقدر ما كانت هزائمها تأتي طواعية عن طريق الخونة والخائنين قديماً وأصحاب المصالح في عصر ما بعد الحداثة إن جاز التعبير!
من الذي الذي ساهم في إسقاط آخر خلافة إسلامية في بغداد¿ حينما حاصر المغول –بقيادة هولاكو- بغداد وأحكموا قبضتهم على الحدود إبان حكم خليفة المسلمين المستعصم بالله.
لم تسقط آخر خلافة إسلامية سوى بخيانة ذلك الوزير الشيعي العلقمي¡ تآمر ووضع يده في يد هولاكو وزوجته دوقزخان بالرغم من اختلاف اللغة والهوية والديانة والأرض والعرض¡ وكل معطيات يومه وليلته¡ لكنه خان! سعى الوزير العلقمي إلى هولاكو وزوجته وخان الخليفة. فعندما دخل الخليفة المستعصم على هولاكو -ساعياً للصلح- حاملاً هداياه وسجاده ما لبث أن رأى وزيره العلقمي جالساً إلى جوار هولاكو¡ متكئاً على متكاه ومعضداً له.
إن العلقمي أصبح ألف علقمي في يومنا هذا.. وحقيقة لا نعلم كيف يقبل عربي أن يؤذي أخاه العربي¡ وزوجته تسبى¡ وأطفالهم يشردون في الثلج يموتون تحت قصف المدافع. نحن في زمن الخلل العقلي لهذا العالم.. وفي زمن العلاقمة الجدد!
http://www.alriyadh.com/1800458]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]