تعزيزُ نفسيةِ المعوق ورفع معنوياته¡ والتحدث أمامه بما حباه الله من النِّعم¡ والتنويهُ بأنَّ ما عجز عنه بسبب الإعاقةِ لا تتأثر به قيمته¡ ولا تنخفضُ به أهميتُه¡ فقد كان السلفُ الصالحُ يُصرِّحونَ للمصاب بأحد أعضائِه بأنَّ الاستفادةَ منه وقيمتَه الحقيقيةَ لم تتأثرا بذلك..
لأصحاب الإعاقة حقوقٌ كثيرةٌ على العامة والخاصة¡ وما أصابهم من البلاءِ إنما رسَّخ لهم الأولويةَ في التراحُمِ والتوادِّ المستحقينِ بين المسلمين¡ وتجاهلُ ما لهم من الحقوق ينمُّ عن قصورِ نظرِ من صدرَ منه¡ ولمراعاة حقوق أهل الإعاقة صورٌ متعددةٌ منها:
أولاً: أن يعرفَ أن البلاءَ الذي نزل ليس عيباً ولا نقيصةً فيهم¡ ففي حديث سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله تعالى عنه¡ قَالَ: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ¡ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً¿ قَالَ: "الْأَنْبِيَاءُ¡ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ¡ يُبْتَلَى الْعَبْدُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ) أخرجه ابن ماجه وغيره¡ ومن العجبِ أن يستشعرَ الناسُ أن الإعاقةَ تقِلُّ بها قيمة المؤمنِ مع أن الواقعَ أنها بلاءٌ يُرجى لمن أصيبَ به من المؤمنين أنه من الأماثلِ عند اللهِ تعالى¡ وأن ربَّه ابتلاه ليُكَفِّرَ عنه سيئاتهِ ويرفعَ له درجاتِه¡ ولا شكَّ أنَّ الإنسانَ لا يستمدُّ قيمتَه ورِفْعَته من مجردِ سلامةِ أعضائهِ¡ فكم من قويِّ البدن يركضُ في شؤونه بمُنتَهَى النشاطِ ومع هذا فلا يُؤبَهُ بهº لأنَّ نفسَه لم تسلم من مساوئ الأخلاقِ وليس ممن يعينُ على معالي الأمورِ¡ وكم من ذي إعاقةٍ سلِمتْ نفسُه وعوفي من الأخلاقِ الذميمةِ وكان نافعاً للناسِ فارتفعت قيمتُه.
ثانياً: أن لا تُجعلَ الإعاقاتُ التي يتعرّضُ لها من كُتبتْ عليه حاجزاً بينهم وبين المجتمعِ¡ ولا ذريعةً لغمطِ شيءٍ من حقوقِهم¡ بل يُنصفونَ في دمجِهم في المجتمعِ بلا تفريقٍ ولا أدنى ترفُّعٍ عنهم¡ وكيف تكونُ الإعاقةُ عائقاً عن دمجِ الفردِ في المجتمعِ مع أن من أصيبَ بها فردٌ من الأمَّة له ما لها وعليه ما عليها¿ فهو أخٌ أو ابنٌ أو خالٌ أو عمٌّ لفئاتٍ من المجتمع¡ وله حرمته ومكانته كغيره من الناس¡ والذي يُعينُ على إعطاء المعوقين هذا الحقَّ إشاعةُ ثقافةِ النظرِ إليهم بالنظرةِ الـمُنصِفَةِ¡ وبنظرةِ الأخوةِ والمساواةِ والرحمةِ¡ وهذا هو الذي تُوجِبهُ قواعدُ الشرعِ الحنيفِ¡ فالإسلامُ لا يُميِّزُ بين الناسِ بالمعايير الجسدية¡ بل بالأعمال¡ وكذلك معالي الأمور إنما تُنالُ بالمعنويات والإنجازات¡ ولا تعارُض بين الإعاقة وبين أن ينال الإنسان من الأعمال والمعالي ما قُدِّر له.
ثالثاً: العنايةُ بالطاقاتِ الموجودةِ عند أهلِ الإعاقةِ وإعانتُهم على استثمارِها¡ وفتحُ الباب أمامهم لخدمةِ مجتمعِهم بما عندهم من المهاراتِ¡ وهكذا قرّر دينُنا الحنيفُ فمن الصحابة رضوانُ الله عليهم من به إعاقةٌ وكان له دورُه الإيجابيُّ وكان مندمجاً في المجتمعِ¡ منهم ابن أمِّ مكتومٍ رضي الله تعالى عنه فقد كان من مؤذني رسولِ الله صلى الله عليه وسلم¡ وفي بعض المغازي يستخلفُه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على المدينة¡ ومن أرادَ الوقوفَ على كثرةِ عطاءِ الموهوبينَ الـمُعوقينَ واستثمارِ المجتمعات لقدُراتهم فعليهِ بقراءةِ كتب التاريخِ والتراجمِ فسيرى في تراجمِ بعض السادةِ أو الوجهاءِ أو العلماءِ أنَّ ببعضهم إعاقةً معينةً¡ لكن لم ينقصْ ذلك من عطائهم في مجالاتهم شيئاً¡ فقد يكونُ عند أحدهم من العبقريةِ ما يندرُ وجوده عند غيرهِ¡ وما زالت البشريةُ تستفيدُ من علومِ بعضهم وإنتاجه.
رابعاً: تعزيزُ نفسيةِ المعوق ورفع معنوياته¡ والتحدث أمامه بما حباه الله من النِّعم¡ والتنويهُ بأنَّ ما عجز عنه بسبب الإعاقةِ لا تتأثر به قيمته¡ ولا تنخفضُ به أهميتُه¡ فقد كان السلفُ الصالحُ يُصرِّحونَ للمصاب بأحد أعضائِه بأنَّ الاستفادةَ منه وقيمتَه الحقيقيةَ لم تتأثرا بذلك¡ ومن ذلك أن عروة بن الزبيرِ أحدَ أعلامِ التابعين وفقهائهم لما أصيب في رجلِه¡ وبُتِرتْ¡ قال له عِيْسَى بنُ طَلْحَةَ: وَاللهِ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ مَا أَعْدَدْنَاكَ لِلصِّرَاعِ¡ وَلاَ لِلسِّبَاقِ¡ وَلَقَدْ أَبْقَى اللهُ مِنْكَ لَنَا مَا
كُنَّا نَحْتَاجُ إِلَيْهِº رَأْيَكَ وَعِلْمَكَ.
ومما قال له آخرُ: وَاللهِ مَا بِكَ حَاجَةٌ إِلَى المَشْيِ¡ وَلاَ أَرَبٌ فِي
السَّعْيِ¡ وَقَدْ تَقَدَّمَكَ عُضْوٌ مِنْ أَعْضَائِكَ¡ وقَدْ أَبْقَى اللهُ لَنَا مِنْكَ مَا كُنَّا إِلَيْهِ فُقَرَاءَ مِنْ عِلْمِكَ وَرَأْيِك. هكذا التعاملُ الصحيحُ مع صاحبِ الإعاقةِ أن تحفظَ له مكانتُه¡ وأن تُستثمرَ قُدُراته.
خامساً: عدم مزاحمةِ المعوق في تسهيلاته الخاصةِ الممنوحة له¡ فمن المساعي الحميدةِ لدولتِنا المسدَّدةِ أنها وفَّرت لأهل الإعاقةِ مزايا كثيرةً مراعاةً لظروفهم¡ ومن الممنوع نظاماً والمستهجن عرفاً أن يُقْدِمَ غيرهم على استخدامِ هذه المزايَا وأن يزاحمَ أصحابهَا عليها¡ ومن فعلَ ذلك فقد تعدَّى وأساء.
سادساً: إعطاؤهم الأولوية فيما يحتاجون إليه¡ وهو مختلف حسب أحوالهم¡ فالفقير منهم تُعطى له الأولوية في البرِّ والمساعدة وتقديم الخدمات المساندةº لأن المعوق الفقير يستحق المساعدة بوصفيه معاً¡ وغير الفقير يُحتفى به ويُشدُّ على عضده¡ ويُعانُ على شقِّ طريقه نحو النجاح والتّميُّز.




http://www.alriyadh.com/1802978]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]