عرضتُ في المقالتين السابقتين مبدأين أرى أهمية تبنيهما في مؤسساتنا اليوم قدر الإمكان¡ المبدأ الأول هو الانحياز الموجه¡ والمبدأ الآخر هو مبدأ توزيع الثقل¡ ومع أن المبدأين بحاجة إلى وصف يفي بحاجة فهمهما على وجه صحيح ضمن المؤسسة التي تسعى لتبنيهما¡ فإن تطبيق المبدأين يحتاج إلى تبني مبدأ آخر¡ يستحق أن نعتبره حجر الزاوية لقدرة المؤسسة على النمو والتطور¡ وهو مبدأ التجريب الممنهج.
نظرا لأن القاسم المشترك الذي يجمع المؤسسات هو التغير المستمر¡ فإن التحديات التي تأتي من التغير هي قدرة هذه المؤسسات على التأقلم أو تبني التغيير بالسرعة المناسبة. ولا شك أن الرشاقة التي تسعى لتحقيقها المؤسسات تتطلب سعيا مستمرا نحو التحول فإن على متخذ القرار أن يؤسس لمنهجية للحد من مخاطر التغيير¡ التي منها أن يكون التغيير عشوائيا وبلا هدف واضحº لذلك على المؤسسة أن تتبنى منهجا للتغيير المستمر يكون معتمدا على التجريب¡ ومن موانع اتباع منهج التجريب الخوف من تبني منهج جديد أو طريقة عمل مبتكرة التي منها عدم الاستقرار واستنزاف الموارد¡ ومع وجود مخاطر تبني المنهج الجديد ماثلة فإن مخاطر الاستمرار على المنهج القديم موجودة¡ بل ربما كانت المخاطر مشكلات واقعة تنمو شيئا فشيئا ولا يشعر بها أحد¡ ولا يوجد مثال أشهر في خطأ التقدير من مثال الدولة العثمانية التي منعت دخول المطبعة التي اخترعها جوتنبرج في القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي)¡ كانت مخاطر المطبعة مفهومة¡ إنما ما غاب عن الذهن مخاطر عدم تبنيها¡ حيث ظل العالم الإسلامي ممنوعا من دخول أهم ثورة معرفية في العصر الحديث لأربعة قرون نتيجة لذلك.
لعل منع المطبعة مثال على المخاطر التي تحيط بعدم التغيير¡ إلا أن أمثلة التغيير الخاطئ لا تقل خطرا¡ ومع وجود مخاطر في الحالتين¡ فإن على متخذ القرار أن يؤسس لمنهج تجريبي لتبني الأفكار الجديدة يكون هدفها دراسة جدوى تبنيها عمليا¡ ومع وجود منهج واضح لتبني الأفكار الجديدة وأساليب العمل المبتكرة فإن على المؤسسة أن تسخر قدراتها للاستثمار بحثا عن الفرص المستقبلية. وعندما تتبنى المؤسسة مبدأ التجريب الممنهج¡ فإنها بذلك تدعو أعضاءها لاتباع هذا المبدأ¡ فلا يكون التجريب خاصا بمجموعة معزولة توضع في إطار يحد من تأثيرها¡ بل يكون التجريب مفتوحا ومتاحا للجميع¡ فالحاجة إلى التغيير والابتكار مستمرة استجابة لمتطلبات البيئة التي نعيشها وتلبية لمتطلبات التحولات الداخلية للمؤسسة التي منها النمو المستمر.
وبالنظر إلى المبادئ التي طرحت حتى الآن¡ سنجد أن مبدأ التجريب الممنهج أكثرها اتساعا حيث يعمل تفعيله إلى فتح أبواب كثيرة تفضي إلى فرص وتحديات جديدة.
إن التجريب الممنهج هو المبدأ العلمي الذي اكتشفت به المعارف الجديدة¡ وهو المنهج الذي على كل مؤسسة أن تتبناه لتبقى في سباق التقدم الذي أساسه التطور المستمر.
http://www.alriyadh.com/1807631]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]